لخصت في المقال السابق مفهوم الصداقة، وبينت أن أعلاها مرتبة هو الحب في الله فهو الذي يذكرك بربك متى غفلت عن ذكره ، وأن الصديق الحقيقي هو وطن صغير وأخ لم تلده أمك، وأحاول في هذ المقال سرد اختيار الصديق الصدوق الذي يدفعنا لفعل الخيرات وترك المحرمات والارتقاء للنبل الأخلاقي وتأصيل عاداتنا وتقاليدنا العريقة، ويعد كنزا من كنوز حياتنا باعتباره سندا ونعمة عظيمة من الله تمنحنا البهجة والسعادة والثقة بالنفس وراحة البال ، فالصديق الحقيقي يقول الحقيقة دون نفاق، ويتبادل الأفكار والمشاعر معه بكل حرية وصراحة وصدق ، فهو يعلم مدى إخلاص صديقه له حيث يمكن الاعتماد عليه فهو يعرف صديقه جيدا ، ويعلم بأنه لن يخذله في يوم من الأيام، ويجب عليه أن يشعر صديقه بقيمته، وأهميته، وعليه أن يطلب النصائح منه، وبذلك تتحقق السعادة بوجود أصدقائه حوله. والصداقات الحقيقية تدوم وتبقى حتى آخر العمر ، والصداقات الأخرى الضعيفة تنهار على أبسط الأسباب ولا يُجدي معها أي إصلاح، لذا يجب الانتباه إلى أن هذه الصداقات لم تكن صداقة حقيقية من الأساس، فالصداقة الحقيقية لا يمكن أن تتزعزع عندما تكون الروابط قوية ، لذلك لا بد من التمييز بين الصداقة الحقيقية التي تدوم والصداقات العابرة الأخرى التي لا تدوم وبصفة خاصة صداقات المنفعة ، ودوما نقول كم هو محظوظ ذلك الشخص الذي يستطيع أن ينجح في اكتساب صديق حقيقي يُرافقه ويقف إلى جانبه في أفراحهِ وأحزانهِ، وطوال فترة حياته. فالصديق الحقيقي مرآة لصديقه وجدير بالثقة وهو شخص صادق ودوما يحب الخير لصديقه خاصة عندما يكون صديقه في خضم مشكلة ما ، فربما لا يمكن لصديقه رؤية جميع جوانب المشكلة ، كي يلفت انتباهنا إلى ما خفي عنا، وينصحنا لما لم ننتبه إليه فالصديق الحقيقي كالمظلة كلما اشتد المطر زادت الحاجة لها ، وهي كالعلاقة بين العين واليد، إذا تألّمت اليد دمعت العين، وإذا دمعت العين مسحتها اليد . وأختتم مقالي بقول العلامة أبو الفيض بن إبراهيم المصري، وهو أحد علماء المسلمين الذي كان يعيش في مدينة أخميم التابعة لمحافظة سوهاج بصعيد مصر في القرن الثالث الهجري وهو من المحدثين الفقهاء في زمانه: «عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهرك، وتعينك رؤيته على الخير».