أدت الثورة التقنية إلى انعكاسات كبيرة على منظومة العلاقات الاقتصادية الدولية برمتها في المرحلة الراهنة، حيث ساهمت تقنية المعلومات في بناء الاقتصاد المرتكز على المعرفة، وتمخض عن ذلك تشكيل ملامح اقتصاد المعرفة أو الاقتصاد المبني على المعرفة المتنامي بوتيرة متصاعدة على نطاق دولي واسع، وأصبحت سماته تتجذر على أرض الواقع جنباً إلى جنب مع الاقتصاد التقليدي بشقيه الزراعي القائم على الموارد الأولية، والصناعي المعتمد على الطاقة من كهرباء وغاز وطاقة نووية وغيرها. ويعرف البنك الدولي اقتصاد المعرفة بأنه: الاقتصاد الذي يعتمد على اكتساب المعرفة وتوليدها ونشرها واستثمارها بفاعلية لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، فيما عرفته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأنه: ذلك الاقتصاد المبني أساساً على إنتاج ونشر واستخدام المعرفة والمعلومات. وفي ظل هذا الاقتصاد الجديد فقد أضحت المعلومات من السلع الرئيسية للمجتمع، حيث تم تحويلها إلى أنماط رقمية على شكل نظم وخدمات المعلومات لتكون أهم أسس اقتصاد المعرفة، ولم يعد الاقتصاد محصوراً في البضائع والتبادل التجاري للمنتجات فقط، وإنما أصبح اقتصاداً مبنياً على المعرفة والمعلومات وتقديم الخدمات مكتسباً ميزة إنتاج وتسويق الخدمات والمعلومات، وهو اقتصاد متنامٍ صوب الشمولية والتكامل العالمي، وفي هذا الجانب تشير بعض البحوث الاقتصادية إلى العلاقة القوية بين ازدهار القدرات العلمية والتقنية للدولة وبين معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي فيها، حيث يقدر بعض الاقتصاديين في هذا الجانب أن اكثر من 50 % من النمو التراكمي لدخل الفرد في الولاياتالمتحدةالأمريكية يعزى إلى التقدم التقني الأمريكي. إن مجتمع المعلومات يعتمد في تطوره على المعلومات والحاسبات الآلية وشبكات الاتصال، باعتبارها تقنية فكرية تضم سلعاً وخدمات جديدة، حيث أضحى هذا المجتمع مرتكزاً على تلك المعلومات الكثيفة كمورد استثماري وسلعة استراتيجية وخدمة ومجال رحب لاستيعاب القوى العاملة، بل وداعم قوي لزيادة معدلات الدخل الوطني للدول. وفي هذا الشأن فقد أبان الاتحاد الدولي للاتصالات بعيدة المدى، في إحدى دراساته أن قطاع المعلومات قد نما على المستوى العالمي في العام 1994م بمعدل أكثر من 5 %، في حين كان نمو الاقتصاد العالمي بصفة عامة بمعدل أقل من 3 %. وأخلص إلى أن نجاح كثير من المنشآت يتوقف على مدى قدرتها على جمع المعرفة ومن ثم تطويعها لرفع معدلات الإنتاج لديها وتوليد سلع وخدمات جديدة، نظراً لأن الاقتصاد في المرحلة الراهنة أصبحت توجهه شبكات المعرفة التي تتبدل فيها المعلومات بمعدلات كبيرة، وفي هذا الصدد فإن هناك شبكات شتى للمعرفة، مثل شبكات المعرفة الخاصة بالجامعات وشبكات مراكز البحوث وشبكات الصناعات المختلفة وغيرها، حيث أضحى المجتمع الذي يتخلف عن تكريس تلك الشبكات لتحقيق أهدافه، مجتمعاً متأخراً عن الركب الاقتصادي برمته. كاتبة وباحثة سعودية