توقع تقرير اقتصادي أن النمو الاقتصادي البطيء سيدفع البلدان الآسيوية لإعادة تشكيل نموذج إنمائي يرتكز على اقتصاد أكثر تكاملًا وتوجهًا نحو الخدمات. ويقول التقرير المنشور على الموقع الالكتروني لصحيفة (ساوث تشاينا مورنينج بوست) إن الاستهلاك المحلي المزدهر والانتعاش الاقتصادي في الولاياتالمتحدة وأوروبا ساعدا الدول الآسيوية على أن تظل محركًا رئيسا للاقتصاد العالمي. ولكن التوقعات الحديثة للبنك الدولي تشير إلى أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ستنمو بمعدل سنوي قدره 6.3% و6.1% و6% خلال أعوام 2018 و2019 و2020 على التوالي، ورغم أنها لا تزال نسبة أسرع من المتوسط العالمي إلا أنها أقل عن معدل النمو في عامي 2017 و2016، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي ومصرف التنمية الآسيوي نموًا باهتًا في دول المنطقة. ويشير التقرير إلى أنه على المدى القصير، فإن البلدان الآسيوية ستعاني كثيرًا من تزايد الحمائية التجارية والتقشف المالي. ويعود جزء كبير من ركود النمو إلى دخول الصين في حقبة جديدة من النمو البطيء، ولكنه الأكثر جودة. فقد تقلص معدل نمو الاقتصاد الصيني المرتفع قبل الأزمة المالية لعام 2008، ليستقر في نطاق يتراوح بين 6 إلى 7% منذ عام 2015. ونظرًا للدور المركزي للاقتصاد الصيني -الأكبر من بقية دول شرق آسيا والمحيط الهادئ مجتمعة بقيمة تبلغ 12 تريليون دولار أمريكي- داخل شبكات الإنتاج الإقليمية والاستثمار المتزايد في الخارج، يمكن القول انه عندما تعطس الصين، تصاب دول المنطقة برمتها بالبرد. ويتنبأ التقرير انه باستثناء الصين، سيكون تباطؤ النمو في آسيا ذا مدى واسع النطاق وطويل الأمد. ويعود ذلك إلى عدة عوامل يأتي في مقدمتها تقييد إمدادات الأيدى العاملة بسبب السكان المسنين. فعلى سبيل المثال ستشهد اليابان انكماشًا في عدد سكانها البالغ 127 مليون نسمة، بمقدار الثلث بحلول عام 2060، في ظل ارتفاع نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 إلى 38%. ولا تقتصر هذه المؤشرات الديموغرافية المزعجة على الاقتصادات المتقدمة فحسب، ولكنها تمتد أيضا إلى الاقتصادات الناشئة مثل تايلاند وفيتنام. أما العامل الثاني فهو توقف التصنيع في بعض البلدان. فمن الناحية التاريخية، كانت القاعدة الصناعية القوية هي الركيزة الرئيسة للبلدان منخفضة الدخل للانتقال إلى مستوى الدخل المتوسط أو المرتفع، بسبب قدرة التصنيع على استيعاب قدر كبير من العمالة غير الماهرة من القطاع الزراعي. ومع ذلك، فإن بعض البلدان الآسيوية تشهد ما يسميه البروفيسور داني رودريك أستاذ السياسة الاقتصادية الدولية بجامعة هارفارد بالتخلي المبكر عن التصنيع. ففي اندونيسيا، على سبيل المثال انخفضت مساهمة الصناعات التحويلية (باستثناء النفط والغاز) إلى 18% من الناتج القومي الإجمالي بين 2011 و2016، بعدما كانت تمثل نحو 30% قبل الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997. وحيث إن السمة المميزة لنموذج النمو الآسيوي كانت سهولة تدفق رأس المال والتكنولوجيا من خلال شبكات الإنتاج الإقليمية، وهو الأمر الذي خفض من الحواجز أمام البلدان النامية للمشاركة في التجارة والاستفادة منها. لكن ارتفاع المصادر المحلية الوسيطة بسبب تطور مستوى الصناعة، لا سيما في الصين، إلى جانب تنامي مشاعر العداء للعولمة، يُشكل تهديدا لهذا النموذج. ويشير التقرير إلى أن الهيكل الاقتصادي المتغير يعني أنه يتعين على آسيا أن تسعى إلى البحث عن نموذج جديد للنمو، يختلف عن النمو التقليدي المرتكز على التصنيع. ويقول التقرير إن معظم الخدمات في العالم النامي عادة ما تكون غير رسمية وغير قابلة للتداول، والقطاعات القابلة منها للتداول مثل الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتطلب عمالة ذات مهارات متقدمة، ولكن التطور التكنولوجي والتحول الرقمي قد سمحا بتحويل الخدمات إلى سلع، بل وتجزئتها وتداولها مثل البضائع في سلاسل الإمداد العالمية. وعلاوة على ذلك، فإن الكثير من وظائف الخدمات ستناسب الشيخوخة المتنامية في آسيا. ويقترح التقرير أنه يجب على دول المنطقة إما العمل على زيادة الهجرة الدولية للعاملين في مجال الرعاية ذوي المهارات المنخفضة، أو خلق كم كبير من الوظائف ذات المهارات العالية في مجال الذكاء الاصطناعي. ويخلص التقرير إلى أنه نظرًا لأنه من غير المحتمل اختفاء الحمائية في الغرب قريبا، فإن آسيا يجب أن تعمل على تسريع وتيرة التكامل الإقليمي في السلع والخدمات، والتجارة والتمويل. والواقع أن نسبة التجارة داخل المنطقة والاستثمار الأجنبي المباشر بلغت بحسب بنك التنمية الآسيوي نحو 57.3% في 2016 مقابل 55.9% بين 2010 و2015. كما أصبحت السياحة البينية محركًا جديدًا للنمو بالنسبة للعديد من البلدان الآسيوية مثل تايلاند والفلبين واليابان.