بعد أن امتدّ انقطاعك عن الكتابة تحت سُجوف ظروفك، وسُدول غربتك، عُدْتِ أخيراً فأضأتِ (البلاد) بقلمك الملتزم بقضايا وطنك، وما توفّرتِ عليه من نباهة في فِقْه، ورحابة في أُفُق. ورحنا نتذكّر ما كنتِ تتناولينه من موضوعات، وتُشْرِفين عليه من صفحات في جريدة (المدينة) إبّان رئاسة تحرير الأستاذ أحمد محمدّ محمود، كان يأسرنا منك فيها تضَوُّءُ الفكرة، وإشراقة التّقسيم؛ مع الطّرح المرتّب المهذّب الموثّق المخلص الصّادق. وكنّا عندما تواريتِ فجأة قلنا: إنّنا خسرنا كاتبة طبيعيّة صريحة: لا دُهانَ عندنا ولا غِشّ! * د. عبدالرّزّاق فرّاج الحربي الصّاعدي: احتجب (ملحق التراث) عن الصّدور في (جريدة المدينة) ثمّ في (جريدة البلاد). واحتجبتَ أنتَ عن الظهور، واحتجبتْ كتاباتك؛ شأنك في ذلك شأن كثيرين غابوا مع غياب هذا (الملحق) مثل: محمدّ حسن شرّاب، ومحمدّ علي البار، وف. عبدالرّحيم، وعبدالغفور بنجابي، ومازن مطبّقاني. ولغياب (الملحق) وغيابكم لا يزال تراثنا ممتحناً بكثير ممّن يستبيحون حماه؛ وهو يجأر بالشّكوى ممّا يَعْلَقُ به من غُبْرَة نسيان، وكُدْرَة إِغْضَاء. وهذه ظاهرة تُدرس: هل يعني هذا أنّ الأديب والباحث وصاحب القلم عليهم هم أن يسعوا إلى الصّحافة، أو يعني أنّ أحداً منهم لا يجد له مكاناً مرموقاً فيها إلاّ بقدر صلته بأحدٍ فيها؛ أي: يلتقي فيها الرّأسان، ولا يلزمك الكثير من الذّكاء لتقول: وتلتقي المصلحتان! * الأستاذ يحيى باجنيد: في غمرة اشتغالك بالصّحافة والإذاعة، وحبْس النَّفْس عليهما، منذ الثّمانينات الهجريّة، وهنا في (البلاد) أضعتَ علينا فيك الفنّان الشّامل. فأين لوحاتك الفنّيّة؟ وأين رسوماتك "الكاريكاتيريّة"؟ صحيح أنّ ما تكتبه للصّحافة وللإذاعة بالتزام لقاء مكافآت سخيّة هو ضرب حيٌّ ناطق من اللّوحات والرّسومات السّاخرة. ولكن؛ هيهات هيهات أن تعوِّض إحداهما الأُخرى. ولك أن تجمع مختارات من لوحاتك من النّوعين: لوحات الرّيشة، ولوحات القلم، وتعمد إلى نشرهما في كتابين، عسى أن يجد فيهما قارئُ اليوم شيئاً عزيزاً من التّاريخ، وشيئاً فذّاً من الطّرافة، وأشياء راقية من الفنّ. وعسى أن تتأكّد حقيقةُ أنّك فنّان شامل لم يعرفه الكثيرُ منّا بسببك!