التجربة خير برهان كما يقولون، ولعل تلك التجربة تصبح أكثر إقناعاً عندما تأخذ حقها من التدقيق والتمحيص والمراقبة والمتابعة، ومن المؤكد أن شهرين هو وقت كافٍ وكفيل بأن يجعلنا نحصل على نتائج صحيحة. هناك تجارب تأتينا على غير ميعاد، قد نكون فكّرنا سابقاً في خوضها إلا أننا آثرنا عدم المغامرة، حتى لا تختلف قناعاتنا بالأمر المستحدث الذي قد نصبح عليه. من قال إن التغيير أمر مستحيل فليتفضل بمراقبة أفعاله في هذه الأيام.. هناك مقولة في التطوير والتنمية البشرية مضمونها: “أنك إذا أردت أن تتخلص من عادة غير مفضلة أو تغيير صفة تتمنى أن تغيرها.. فليس عليك سوى ممارسة نقيضها لمدة واحد وعشرين يوما متتالية، لتصبح جزءا من تصرفاتك القادمة، وتقضي بها على ماكنت تتمنى ان تغيره..” ربما تكون هذه القاعدة صحيحة، وسيظهر ذلك عندما ننتهي من هذه الأزمة، ونبدأ في العودة إلى سابق عهدنا وكل منّا يسعى إلى ما سخر له.. في توقعي أننا سنكون أشخاصا مختلفين.. تملأنا قناعات أخرى لم نكن نملكها قبل مرحلة الاستكنان التي مارسناها، قد نصبح أكثر هدوءً أو أكثر ضجيجاً، قد نكتسب الحكمة والعقلانية أو يغشانا التسرّع والعصبية، قد تغلب علينا المرونة فلا تثيرنا تلك الأمور البسيطة التي كانت تثيرنا قبل حين.. إنما الأكيد أننا في كل وقت نكون فيه خارج المنزل سنشتاق للعودة إليه سريعاً، لننعم بتلك الأيام التي أمضيناها فيه وبين جنباته، بعد أن تكونت علاقة حميمة بيننا وبين كل الأركان والنوافذ والأبواب، وحفظنا كل التفاصيل التي لم نلتفت إليها من قبل.. سنُؤْثر البقاء في بيوتنا على الخروج.. أراك تنظر إلي بنظرات استنكارية..! وكأنك تقول أنك تنتظر الساعة التي يعلن فيها انتهاء منع التجول لتفر من البيت ولن تعود إليه قبل أن تحتضن كل شارع وكل رصيف وتلقي التحية على كل بناية، هل تعلم..! هذا في خيالك فقط.. إنما الحقيقة أنك أصبحت “بيتوتيا” مع سبق الإصرار، وستبقى كذلك إلى أن تخوض تجربة جديدة أيضاً مرغماً فرضتها عليك طبيعة الحياة العملية التي كنت عليها، إنما سيبقى في جنبات نفسك ذلك “البيتوتي” الذي كنته لحقبة من الزمن. للتواصل على تويتر وفيس بوك