من أبرز المفاهيم المعروفة في علوم التربية مفهوم التطبيع الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية، ويعني هذا المفهوم نقل منظومة القيم والعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية العامة من جيل إلى جيل، وفي الماضي القريب كانت هذه العملية تتم وفق مجموعة من الوسائط التربوية هي: الأسرة (المنزل)، والمدرسة، وجماعات الرفاق (الأصدقاء)، والمسجد، ووسائل الإعلام، وجميع هذه الوسائط التربوية كانت تتعاون وتتكامل أدوارها في سبيل الحفاظ على هوية المجتمع، من خلال نقل منظومته الثقافية المتوارثة عبر الأجيال. ومع مرور الوقت تعاظم تأثير الإعلام وتضاءل أثر بقية الوسائط التربوية الأخرى، وتطورت وسائل الإعلام كثيراً مع الوقت، وأصبح ما يُعرف ب (الإعلام الجديد) في وقتنا المعاصر هو المؤثر الأكبر أثراً والأعظم خطراً على منظومة القيم من حيث ترسيخها أو مسخها أو حتى إسقاطها، لا سيما في ظل الانفتاح الفكري والثقافي العالمي الذي تعيشه البشرية اليوم، وأضحت هذه الظاهرة مشكلةً مؤرِّقة بسبب هجوم طوفان من الثقافات والأيديولوجيات المختلفة والمتغايرة أو حتى المتصادمة، وتزاحمها في عقول ووجدان الشباب. وسوف ندرك حجم المشكلة وضراوتها وقسوتها عندما نعرف أن نسبة السعوديين الذين يستخدمون الإنترنت في الفئة العمرية (من 15 سنة فأكثر) بلغت نحو (99%) وهم يستخدمونه في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدة الدراما على الشبكات العالمية المختلفة، وفي الوقت نفسه تشير الدراسات العلمية إلى أن نسبة السعوديين (في نفس الفئة العمرية) الذين يشاهدون الأنشطة الثقافية والترفيهية في التلفزيون بلغت (64%) فقط، وهذا يعني أن الإعلام الرسمي لم يعد المهيمن على تشكيل وعي وأفكار وقيم وميول الأجيال الجديدة، ويؤكد ذلك أن الإعلام بمفهومه التقليدي لم يعد ذا تأثير مقابل (الإعلام الجديد) ومنصاته المتعددة؛ وذلك بسبب أفكاره الإبداعية الجذابة، وسهولة وصول الشرائح المستهدفة إليه. وهنا يبرز السؤال المهم: هل المؤسسات الإعلامية بمفهومها التقليدي لا تزال مؤثرة في بناء منظومة القيم وتعزيزها أم أن (الإعلام الجديد) قد سحب البساط من تحت أقدامها، أو في طريقه إلى تحقيق ذلك؟ وإذا كانت الغلبة في المستقبل هي للإعلام الجديد، فما هو مستقبل القيم المجتمعية في ظل امتلاك كل فرد منصته الإعلامية التي يستطيع من خلالها مشاهدة ما يشاء، بل يمكن لكل فرد من خلال تفعيل تواجده في وسائل التواصل الاجتماعي المشاركة في صناعة التأثير؟ في الواقع فإن من اللافت جدًا أن الشباب وصغار السن أصبحوا الآن يختارون مباشرة ما يريدون مشاهدته من مقاطع ومسلسلات درامية وهم من يحدد المحتوى الذي يرغبون في مشاهدته، وفي ظل هذا التحول المعرفي والسلوكي والوجداني في هذه الفئات العمرية فإن التحديات أصبحت أكثر شراسة باتجاه تنظيم محتوى الإعلام الجديد، ووضع سياسات وإجراءات تسهم في بناء القيم وترسيخها. والنقطة الأهم في حديثنا عن الإعلام الجديد والقيم هي ضرورة تحديد القيم الدينية والمجتمعية التي تشكل هوية المجتمع، والمطلوب ترسيخها في نفوس ووجدان الشباب في سياقاتٍ علمية واضحة ومحددة تستند إلى البناء الديني والثقافي الراسخ في المجتمع.