في محاولة لمحاصرة الفساد في المنظومة الاقتصادية بلبنان، تواصل هيئة مكافحة تبييض الأموال منذ التاسع من يناير الجاري، متابعة الإجراءات التي حددتها للمصارف لتحديد مصادر الأموال الضخمة المودعة فيها، وإفادة هيئة التحقيق الخاصة في حال وجود أي شبهة مالية، وتضمن التعميم إمهال البنوك حتى 31 يناير من الشهر الحالي لتقديم الإيضاحات بشأنها، ولم تتوقف خطوات السلطات الرقابية عند هذا الحد، بل طالبت لجنة الرقابة تقديم معلومات بشأن تواريخ وأحجام التحويلات إلى سويسرا منذ أول يوم لانداع المظاهرات ، وهو ما اعتبره المراقبون خطوة مهمة للوصول إلى نتائج متقدمة ، خاصة وأن المصارف امتنعت عن تحويل أي مبالغ خارج البلاد إثر الاحتجاجات التي شملت أرجاء البلاد. وتتزامن تحركات الجهات المصرفية الرقابية داخل لبنان مع تعقيدات وصعوبة الموقف الاقتصادي في لبنان واتخاذ بعض المظاهرات منحنى تصعيديا، بعد أن هاجم متظاهرون مؤخرا واجهات المصارف في منطقة الحمراء وسط بيروت؛ بسبب فرضها قيودا مشددة على المودعين الذي يرغبون في سحب أموالهم ، كما طرح الموقف المتأزم للاقتصاد اللبناني مخاوف التخلف عن سداد سندات حكومية قيمتها 2.5 مليار دولار مستحقة هذا العام، منها 1.2 مليار دولار يستوجب سدادها في مارس المقبل ، فيما يرى سعد الحريري رئيس الحكومة المستقيل أنه يتعين على لبنان أن يتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين بشأن الاقتصاد الذي يعاني من أزمة عميقة ، في الوقت الذي ترهن فيه المؤسسات الدولية المانحة تقديم مساعدات سواء مالية أو استشارية بالإشراف من جانبها على عملية الإصلاح الاقتصادي، ومن ثم تنفيذ خطة واضحة لمواجهة أي ممارسات فساد. وتقترب الليرة اللبنانية من خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازي لتعد بذلك الأزمة الاقتصادية الراهنة، الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، حيث شهد لبنان سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية. وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، في ظل تداعيات انقسامات سياسية خطيرة وارتفع الدين العام إلى نحو 90 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي. إلى ذلك قال كبير محللي التصنيف السيادي في وكالة فيتش: إن مالية لبنان غير المستقرة تعني أن البلد الذي يعاني أزمة يبدو من المرجح أنه سيتخلف بطريقة ما عن سداد ديونه بل ومن غير المستبعد أن يعمد إلى سيطرة على جزء من الودائع المصرفية للمدخرين ، بعد تداول تقارير عن احتمالات تأجيل تسديد بعض السندات التي يحين موعد استحقاقها هذا العام الجاري ، حيث قال مصدر لبناني: إن وكالات للتصنيف الائتماني أبلغت السلطات أن الخطة ستشكل تخلفا "انتقائيا" أو "محدودا" عن السداد، ومن المحتمل أن يثير المزيد من المشاكل. وقال رئيس محللي التصنيف السيادي لدى فيتش جيمس مكورماك: إن حالة الديون المتعثرة تعرّف بأنها عندما يكون هناك تغيير جوهري في شروط السداد. ويشمل ذلك مد أجل الاستحقاق (الموعد النهائي للسداد) لتجنب تخلف عن السداد ، مرجحا خفض التصنيف إلى C ، وفي حال اكتمال التبادل، من المرجح خفض التصنيف إلى تعثر محدود RD". وتصنيفها الحالي للبنان عند CC ، محذرا من أن المزيد سيأتي فيما بعد. ويكابد لبنان، الذي يشهد اضطرابا سياسيا، أسوأ أزماته الاقتصادية في عقود وتدهورا للثقة في نظامه المصرفي. وازداد خطر التخلف عن السداد وحاجته إلى إعادة التفكير في ربط العملة المستمر منذ 23 عاما في بلد مثقل بأحد أكبر أعباء الدين العام وفاتورة الفساد المالي.