بالتوازي مع قفزات التنمية المستدامة وتعزيز قوة الاقتصاد السعودي، تولي المملكة بتوجيه واهتمام مباشر من القيادة الرشيدة أهمية كبرى لمكافحة الفساد، لما يشكله من خطر يقوض المجتمعات، ويحول دون نهضتها وتنميتها. وفي هذا السياق أكدت رؤية 2030 على أن الشفافية ومحاربة الفساد منهج رئيسي لها، من خلال العمل على تعزيز مبادئ المحاسبة والمساءلة في القطاعين العام والخاص ، وتعزيز النزاهة عبر تحقيق 17 متطلبا علميا ومنهجيا، و تخفيف الإجراءات البيروقراطية الطويلة ،وتوسيع دائرة الخدمات الالكترونية، واعتماد الشفافية والمحاسبة الفورية ،والالتزام بالوصول إلى مراكز متقدمة عالميا، وللأداء الحكومي الفعال لخدمة المواطنين. وتعزيزا لهذه الجهود أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، أمس أمراً ملكياً بالموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، تضمنت ضم “هيئة الرقابة والتحقيق” والمباحث الإدارية” إلى “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” وتعديل اسمها ليكون ” هيئة الرقابة ومكافحة الفساد” وتحديد الصلاحيات في مكافحة الفساد والتحقيق الجنائي في قضايا الفساد المالي والإداري. الهيبة والحزم من أبرز نقاط القوة في هذه المرحلة لاستراتيجية المملكة في مكافحة الفساد – الحزم مع جرائم الفساد من مرحلة كشفها حتى الملاحقة القضائية، بما في ذلك إيقاع العقوبات التأديبية وتحريك القضايا الجنائية. – تمتع الهيئة بالهيبة والقوة بعد ضم المباحث الإدارية ومنح الهيئة الجديدة سلطة الإيقاف على ذمة التحقيق ورفع الحصانة عن ملاحقة أي موظف ومسؤول مهما كانت درجته الوظيفية (مدني كان أو عسكري) – ضمان تتبع سير قضايا الفساد في كافة مراحلها وصولًا إلى صدور حكم المحكمة المختصة فيها. – تسريع العمل في تحديد نوعية الأدلة المطلوبة وكيفية الحصول عليها لإدانة المتهم بالفساد أمام القضاء. – فرض الحزم المطلوب على أداء شاغلي الوظيفة العامة والحفاظ على كرامتها من أي تجاوزات أو حتى مجرد شبهات. – تحصين المال العام والمحافظة على حرمته من خلال استعادة ما صغر منه أو كبر سواء كان داخل المملكة أو تم تهريبه إلى خارجها. – منح الهيئة الجديدة صلاحية أوسع في متابعة الفاسدين تتجاوز الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية إلى الشخصيات المعنوية كالشركات والمؤسسات وغيرها. – تأكيد محاربتها الإثراء غير المشروع، خاصة لمن يبدو عليه الثراء المفاجئ بعد تولي الوظيفة العامة. – قدرة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على مساءلة أي جهة حكومية أو أياً من موظفيها في حال التقصير أو عدم الاستجابة الفورية مع طلباتها. استئصال الفساد على ضوء ذلك يترجم ضم كافة الجهات والوحدات الرقابية والضبطية والتحقيقية المختصة بمكافحة الفساد في جهاز واحد، ترجمة عملية لحرص القيادة على توحيد الجهود وإلغاء تكرار الأدوار؛ لضمان القضاء على الفساد تتبعًا وتحقيقًا وملاحقة ، حيث تعكس الهيئة الجديدة نهج الشفافية الذي تبنته رؤية المملكة 2030، في عدم التهاون أو التسامح مطلقًا مع الفساد بكل مستوياته، والاستفادة من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة ، كما أن جمع العقوبات التأديبية ومحاربة الجرائم الجنائية المترتبة عن قضايا الفساد في جهاز واحد، يعطي نظرة أشمل للبلاغات والتجاوزات والمخالفات، ويسهم في توحيد قواعد المعلومات وجهة الإبلاغ، بما ينعكس على تسريع وتيرة العمل. أيضا من شأن الصلاحيات الواسعة لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد تعزيز سيادة القانون ومساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه ،وستعمل الهيئة وفق تنظيم سيقضي على كافة العوائق التي كانت تعرقل مجابهة قضايا الفساد، كسرعة الضبط ومباشرة التحقيق وعمليات الاستدلال الجنائية وإعادة الأموال المسروقة حتى لو تم تهريبها خارج المملكة ، كما أن دمج الأجهزة الرقابية سيعزز من إمكانيات وقدرات القضاء على الفساد، في جميع مراحل القضية الجنائية، ابتداء من الضبط مرورًا بالتحريز والتحقيق، وانتهاءً برفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة المختصة. هذه الإجراءات والعقوبات تؤكد حزم الدولة في عدم التهاون مع كل من خانوا الأمانة الموكلة إليهم ، خاصة وأن العقوبات القوية تصل حد الفصل الفوري، كما أن من شأنها كبح جماح الفساد في الوظيفة العامة والحفاظ على استقلاليتها وحياديتها وتفادي أي تعارض للمصالح معها، ومحاربة ظاهرة الغنى المفاجئ لدى الموظفين بشكل لا يتوازى مع دخلهم. أخيرا ومع الخطوات الجادة المتقدمة للمملكة في محاربة الفساد واستئصال مكامنه، تواصل تعاونها على الصعيد الدولي، وتعد من أوائل الدول التي أنهت استعراضها لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد بدورتيها الأولى والثانية.