دخل النظام الإيراني بسبب أطماعه وسياسته العدوانية، في أخطر أزماته منذ عام 1979؛ حيث يواجه عزلة دولية وعقوبات أمريكية قاسية مع قرب إعادة فرض العقوبات الدولية، واحتجاجات داخلية مستمرة لم تنته على خلفية الانهيار الاقتصادي وغلاء الأسعار. وتسببت حملة "الضغط الأقصى" من جانب إدارة ترامب في تراجع الاقتصاد الإيراني بشكل خطير، وبدلًا من تركيز النظام على شؤونه الداخلية ورفع المعاناة عن الشعب، استمر في نهجه بتصدير أزماته للخارج والتدخل في شؤون الدول الأخرى، عبر مليشياته وأذرعه الإرهابية، مما أدى لخروج المتظاهرين الإيرانيين إلى الشوارع منذ منتصف نوفمبر ، وأخذت الاحتجاجات منحنى جديدا بالمطالبة بالإطاحة بالنظام. وتعتبر انتفاضة البنزين هي الأصعب على الاطلاق بالنسبة للنظام الإيراني، وأوضحت مدى عجزه في فهم معاناة ونبض الشارع، فلجًأ كالعادة إلى الحلول الإجرامية من خلال القتل والتعذيب والاعتقالات، لمواجهة التظاهرات التي شملت أكثر من 165 مدينة ومنطقة.
وفي هذا، تحدث خبراء عن محاولات نظام الملالي تصدير أزماته الحالية للخارج كعادته، وحالة الرفض لتمدد النفوذ الإيراني وتدخلاته في العديد من الدول العربية، والتي أهدرت ثروات البلاد ، كما تحدثوا عن مستقبل النظام في ظل الأحداث الحالية وتأثيرات ذلك على أذرعه في الخارج. يقول شريف عبد الحميد، الباحث في الشأن الإيراني: إن المستويات العليا في نظام الملالي باتت على يقين تام، من أن النظام نفسه ربما يكون مهددًا بالزوال، خاصة في ظل تصاعد وتنامي الاحتجاجات الدامية التي تشهدها إيران حتى الآن. وأضاف ل(البلاد): إن نظام الملالي بات متيقنا من أن أجندته التوسعية القائمة منذ عام 1979، أصبحت بدورها مهددة في محيطها الإقليمي المشتعل ضد طهران مع انطلاق حالة الرفض الشعبي العراقي واللبناني للنفوذ الإيراني في بلاد الرافدين والأرز. وأوضح أن الاحتجاجات المستمرة في إيران وإحراق قنصليتها بمدينة النجف العراقية في وقت واحد، مؤشر خطير بالنسبة إلى نظام الملالي، مفاده أن أحلام التوسع التي خطط لها صارت أضغاث أحلام، وأن نفوذهم الكبير في بلدان أخرى مثل اليمن وسوريا ولبنان أصبح "على كف عفريت" كما يقولون. وأشار أنه لا جدال أن احتجاجات الشارع الإيراني، وما رُفع فيها من شعارات رافضة للتمدد الطائفي خارج البلاد، تعني أن الشعوب الإيرانية أدركت كيف أوقع الملالي البلاد في مأزقها الراهن، وأنفقوا مليارات الدولارات من أموال الشعب على مشاريعهم التوسعية المرفوضة في الداخل والخارج معًا.
أزمة حقيقية من جانبه، قال أحمد قبال، الباحث في الشأن الإيراني: إن النظام الإيراني يعاني أزمة حقيقية في الداخل بفعل الضغوط الاقتصادية والحراك المتنامي في الشارع ، مضيفا بأن ما تشهده شوارع العراق ولبنان من حراك ضاق ذرعًا بالنفوذ الإيراني والفساد الاقتصادي، يشكل أيضًا ضغطًا على النظام الإيراني الذي يعول على أذرعه الخارجية ونفوذه في تلك الدول؛ للخروج من العزلة الدولية والالتفاف على العقوبات. وأشار"قبال" إلى أن الحراك في العراق ولبنان ليس بمعزل عن تطورات إقليمية مرتبطة بالعقوبات الأمريكية ومحاولات احتواء إيران وتدمير نفوذها، لاسيما وأن العقوبات القصوى تدفع باتجاه موقف إيراني أكثر فشلا وارتباكًا، ومن ثم فإن تغييرًا محتملا في محيط إيران الإقليمي سيؤثر على قدرات النظام ورهاناته الخارجية، بالتزامن مع انهيار اقتصادي وشيك ينذر بتغيير شامل.