على مدار يومين من التداول الجاد اختتم بالعاصمة البولندية وارسو، أعمال مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط، بإجماع دولي على ضرورة التصدي للتهديدات الإيرانية. ووصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الاجتماع بالتاريخي في مواجهة الخطر الإيراني، داعيا إيران إلى تغيير سلوكها. وقال بومبيو: “نحن 60 دولة هنا في وارسو نعتبر أن طهران تشكل أخطر تهديد في الشرق الأوسط وأن العالم لا يستطيع تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط بدون مواجهة إيران”. وأضاف بومبيو، أن العدوان الإيراني في المنطقة خطر حقيقي “ونريد أن يتوحد العالم من أجل إدانة الأنشطة الإيرانية، ليس هناك أي دولة دافعت عن إيران في مؤتمر وارسو وثمة إجماع على دور طهران المزعزع”. والتقى الموقف الأميركي مع مواقف الدول العربية المشاركة التي دعت إيران إلى وقف تزويد الجماعات في اليمن ولبنان بالسلاح والصواريخ. وانتهى مؤتمر وارسو بتصريحات وفرق عمل لإطلاق آلية ومسار فاعل للضغط على إيران لتغيير سلوكها أو مواجهة المزيد من العقوبات الدولية التي تجدد الولاياتالمتحدة التأكيد على كونها رأس حربة فيها. وكان مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي قد اتهم دولا أوروبية بارزة بتقويض الحملة ضد إيران بمحاولة كسر العقوبات الأمريكية على طهران. في غضون ذلك قال الباحث السياسي الأمريكي مجيد رفيع زاده إن مؤتمر وارسو ونتائجه المحتملة عمقا مخاوف نظام طهران رغم ما أبداه من تقليل لأهمية الاجتماع. وأضاف زاده، في مقال منشور على عدة صحف أمريكية أن السلطات الإيرانية حاولت التقليل من أهمية مؤتمر وارسو، لكنه في الواقع كان القصة الرئيسية في طهران. وأوضح زاده أن الأهمية التي يحملها مؤتمر وارسو تنبع من توقيته، حيث يأتي في وقت يمكن فيه ملاحظة الدور الإيراني داخل كثير من الصراعات في الشرق الأوسط “فالمجموعات الإرهابية التابعة لها من بين الأسباب الرئيسية للتوترات المستمرة والنزاعات في جميع أنحاء المنطقة”. وأوضح الباحث الأمريكي أن ما يقلق إيران تحديدا هو إمكانية أن يؤدي المؤتمر إلى رأب الصدع بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، خاصة مع مشاركة دبلوماسيين من فرنسا وألمانيا ووزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت في وارسو. ونوه بأن قمة وارسو تأتي في وقت تعمل فيه طهران على توسيع نطاق نفوذها في عدة دول لتصل به إلى مستوى غير مسبوق، لافتا إلى أن سياسات النظام الطائفية ومغامراته العسكرية وسياساته التوسعية أصبحت أيضا سببا رئيسيا في الصراعات والتوترات داخل المنطقة. وعلى سبيل المثال، أشار زاده إلى أن الحكومة الإيرانية تواصل تدخلها في شؤون العراق باستخدام أساليب واستراتيجيات مختلفة، من التأثير على الانتخابات وإخراس منتقدي سياساتها وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلاد إلى دعم المليشيات بقوات وأسلحة وصواريخ. وأشار كذلك إلى مواصلة طهران جهودها لبناء قاعدة عسكرية دائمة داخل عدة مدن في سوريا، واستمرار “الحرس الثوري” في تعزيز تحالف القوات والمليشيات الطائفية التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية؛ فتلك المليشيات عاقدة العزم على تعزيز مصالح النظام، كما تصبح الركيزة الأساسية للبنى الأساسية الاجتماعية السياسية والاقتصادية. وأوضح الباحث الأمريكي أن إيران تصعد الصراع في اليمن بتقديمها الأسلحة المتطورة إلى الحوثيين، كما تضاعف جهودها لنقل تلك الأسلحة إلى مليشياتها ووكلائها، مثل مليشيا حزب الله اللبناني، التي يمكنها تحويل الصواريخ غير الموجهة إلى أخرى دقيقة التوجيه. واعتبر زاده أن أي ضغط إضافي على النظام الإيراني، سواء كان دبلوماسيا أو اقتصاديا يساعد على تقويض سلطة نظام ولاية الفقيه، خاصة أن طهران تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية منذ نشأتها عام 1979. بدوره قال المتخصص في الشأن الإيراني يوسف بدر، أن قمة وارسو لا تعني الاطاحة بالنظام الإيراني، وإنما هناك بلدان تحالفت على مسألة التهديدات الإيرانية. وأضاف بدر في تصريحات ل(البلاد) أن أغلب الدول المشاركة فى المؤتمر تساورهم نفس المخاوف تجاه إيران، ودول الخليج هي الأقرب من هذه التهديدات. وأوضح أن ما تفعله إيران من تأكيدات أن كافة مناوراتها هي لصالح أمن المنطقة طريقة دعاية قديمة، فالعالم اليوم يتحرك وفق حسابات وخطوات عملية وليست دعائية، ولذلك تحتاج إيران إلى مراجعة ليست مخاوفها ولكن مخاوف جيرانها إن كانت تود تراجع العالم عن محاولة اسقاط نظامها، وقال إن هذا للأسف أمرٌ صعب على النظام الحالي في إيران أن يستوعبه في ظل نظام هكذا، قائم على مبادئ أيديولوجية أصولوية. وأشار إلى أن طهران كانت غاضبة بشدة من قمة وارسو، والدولة المضيفة بولندا نفسها حاولت تهدئة إيران، لكن في النهاية كانت بولندا ومن حضر يتحدثون عن من يضعون فتيل الأزمة في الشرق الأوسط، وإيران واحدة من دول صناعة الأزمات في المنطقة. وأكد أن هذا القلق الذي أبدته طهران يعبر عن مخاوفها من تشكل تحالف يستهدف التصدي لأطماعها فى المنطقة، وهذا أمر يقلق النظام الذي تزداد دوائر حصاره يوما بعد يوم.
إلى ذلك نوه المتخصص في الشأن الإيراني أحمد قبال، الى إن عقد مؤتمر للشرق الأوسط في العاصمة البولندية وارسو، أثار موجة تساؤلات بما أن بولندا ليس لديها اهتمام كبير بقضايا الشرق الأوسط، لكن يبدو أن وارسو العضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي، وفي ضوء التاريخ الأسود الذي يجمع بينها وبين روسيا- يُرجح أن يكون هناك تقارب بين المواقف الأمريكية البولندية أثناء المؤتمر، خاصة وأن بعض البولنديين يأملون في إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية كاملة في بلادهم، ومن ثم فإن اختيار وارسو لعقد مؤتمر الشرق الأوسط يعد قراراً دبلوماسياً رائعاً بالنسبة للبولنديين كما أنه يمثل خطوة أمريكية لإيجاد تحالف أوروبي موحد ضد مساعي الترويكا الأوروبية التي تسعى لإنقاذ إيران من آثار العقوبات الأمريكية، ولتقديم الدعم إلى المعارضة الإيرانية التي يتم تمثيلها في المؤتمر والعمل على تغيير النظام الإيراني من الداخل عبر بوابة الاحتجاجات والتظاهرات. وأضاف قبال ل (البلاد) أن إيران تصف المؤتمر بأنه خطوة أمريكية معادية مدعومة من حلفاء إقليميين، وتصر على مواصلة نفوذها الإقليمي وتدخلها المباشر لغير المباشر في سوريا واليمن والعراق ولبنان والسعي لتطوير برامجها الصاروخية. وأوضح ان هذا المؤتمر يأتي بالتزامن مع دعم المعارضة الإيرانية في الخارج والداخل وتمكينها من لعب دور فاعل وأكثر تأثيرا وتنظيما حتى تشهد إيران المزيد من المظاهرات والاحتجاجات ومن ثم يعاني النظام الإيراني من ضغوط قد تمهد لثورة جديدة في إيران. وعلق محمد حامد، الخبير في الشأن الدولي على هذا الأمر، حيث قال إن مؤتمر وارسو يعتبر خطوة نحو اسقاط النظام الإيراني. وأضاف حامد ل(البلاد) أن إيران حاولت التشويش على المؤتمر من خلال استدعاء القائم بالأعمال البولندي في طهران، ولكن فشلت في التشويش وإفشال المؤتمر. وأوضح أن هذا الاجتماع هام للغاية بالنسبة للعالم لأن إيران ما زالت تمارس بشكل واضح وصريح إرهابها في العالم أجمع، ولها الأدوات والطرق التي تقوم من خلالها بتحقيق أهدافها الإرهابية. وأوضح أن الهجوم الذي وقع منذ يومين وهو انفجار شاحنة تابعة للحرس الثوري ما هو إلا بتدبير نظام الملالي نفسه ليظهر لحلفائه أنه مهدد داخليًا كما هو الحال خارجيًا من الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول.