اعتقال وترهيب سياسي ومعاناة اقتصادية.. هذا هو حال الصحفيين في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يسلم من مقصلته أحد، فلم تسفر الانتقادات الدولية التي يواجهها بسبب انتهاكات نظامه للحريات الأساسية عن إثنائه عن قمع الصحافة، والزج بالصحفيين في غياهب السجون. وتقول منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية، في تقرير إن حكومة أردوغان طردت أكثر من 150 ألف موظف من عملهم بزعم ضلوعهم في محاولة الانقلاب أو صلتهم بجماعة غولن، فيما زجت بنحو 64 ألفا آخرين في السجون، ومن بين هؤلاء نحو 150 صحفيا وإعلاميا، مما يجعل تركيا "أكبر سجن للصحفيين في العالم". ويرى مراقبون أن حملة "التطهير" التي أطلقها أردوغان ضد أنصار الداعية فتح الله غولن، المتهم من جانب أنقرة بالضلوع في المحاولة الانقلابية دفعت البلاد إلى أوضاع سيئة للغاية. وكانت الحملة بمثابة "انقلاب" بطريقة أخرى مارستها حكومته ضد خصومه السياسيين ومعارضيه من الصحفيين رغم أن لا صلة لهم بغولن، وفق هؤلاء المراقبين. وعلى صعيد الحريات الصحفية، فقد مئات الصحفيين الأتراك وظائفهم بتهمة دعمهم للانقلاب، أو إهانة الرئيس، في تغريدات أو تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي من جراء حملة أردوغان . ووفق تقرير عن مراقبة وسائل الإعلام التركية، عام 2018، حكم في العامين الماضيين على أكثر من 120 صحفيا بالسجن لفترات أقلها خمس سنوات. وعام 2017 حجبت أنقرة موقع ويكيبيديا الالكتروني، لاحتوائه معلومات تربط الدولة التركية بالتنظيمات الإرهابية، كما تقول أنقرة. وفي مؤشر حرية الصحافة العالمي للعام الماضي، الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، تحتل تركيا المرتبة 157 من بين 180 دولة. وقبل فترة وجيزة، تسببت مقابلة أجراها 3 صحفيين مع رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو في فصلهم عن العمل، بعد 24 ساعة فقط من بثها على موقع يوتيوب. وتسيطر حكومة أنقرة على نحو 90 في المئة من وسائل الإعلام التركية، وتقول منظمة مراسلون بلا حدود إن الرقابة على المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بلغت مستويات غير مسبوقة، مما يعزز حالة التضييق على حرية الإعلام في البلاد. هذا فيما أمرت محكمة تركية امس الأول بحجب موقع "بيانيت" الإخباري المستقل وعشرات من وسائل الإعلام الإخرى والحسابات على موقع فيسبوك، بداعي حماية "الأمن القومي". وبحسب ما جاء في القرار فهو يشمل موقع "بيانيت" و135 موقعا آخر وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وأشرطة فيديو متداولة على يوتيوب وديلي موشن. وكان 74 نقيبا للمحامين الأتراك، بينهم متين فيزي أوغلو، النقيب العام للمحامين، قد اصدرا بيانا مشتركا، يندد بالأحكام الصادرة ضد صحفيين ومحامين في قضية صحيفة "جمهورييت" المعارضة. وبحسب ما ذكرته العديد من وسائل الإعلام التركية، طالب الموقعون على البيان محكمة النقض ب"الرد الفوري على هذا الظلم الشديد الذي ألحق ضررًا عميقًا بالضمير العام"، بنص البيان المشترك. قضية صحيفة جمهورييت يُحاكم فيها صحفيون ورسامو كاريكاتير و3 محامين، بتهمة ارتكاب جريمة باسم منظمة إرهابية ضد النظام الدستوري، على خلفية اتهامهم بالتعاون مع وغولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير مسرحية الانقلاب في يوليو 2016. فيما ترفض الصحيفة المعروفة بمعارضتها الشديدة لأردوغان، الاتهامات، وتندد بما تعتبره "محاكمة سياسية تهدف إلى إسكات الصحافة المستقلة في تركيا".