أجمع خبراء مختصون فى الشأن الدولي والإيراني أن القمة العربية الهامة المقرر عقدها فى المملكة نهاية الشهر الجارى مطالبة بالعديد من القرارات الهامة التى تتعلق بمستقبل المنطقة فى الفترة الراهنة يأتى على رأس تلك المطالبات إن وضع آلية لترتيبات الأمن الجماعي تعد خطوة هامة للغاية، غير أنه يجب لتحقيق ذلك الهدف، محاولة تسوية القضايا العالقة والنقاط الخلافية، من أجل وضع نواة حقيقية لأمن عربي وخليجي قوي، قادر على الصمود والاستمرار في ظل ريادة حكيمة متمثلة في المملكة . واستطلعت ” البلاد ” آراء العديد من المحللين والخبراء حول أهمية عقد القمة العربية فى هذه المرحلة الهامة فى مستقبل الأمة والمنطقة بأسرها وفى البداية قال أحمد أمير الباحث في الشؤون الإيرانية ومترجم لغة فارسية في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية لقد وجدت إيران نفسها في أزمة اقتصاديةغير مسبوقة وعزلة سياسية خانقة دفعتها إلى تصعيد التوتر عن طريق عملائها في المنطقة، واعتقدت أن هذا التصعيد هو طوق النجاة الذي سيخلصها من أوضاعها المتأزمة، فتُظهِر للمجتمع الدولي أن لديها بطاقات أخرى للعب في المنطقة ولا تحتاج إلى إغلاق مضيق هرمزمثلما هدد أغلب القادة العسكريين الإيرانيين خلالالفترة الأخيرة. لكن ما عليها أن تعلمه وتعترف به هو أن العمليات الإرهابية التي تلجأ إليها عن طريق عملائها في الشرق الأوسط، لن تثمر بنتيجة غير تأزم الأوضاع فحسب وليس هناك ما يحقق النتيجة المرجوة شيئًاغير اعترافها بالواقع والتعاطي معه من منطلق أنّ السلوك الإيراني الحالي القائم على أوهام أيدولوجية متطرفة تمتد لأربعون سنة لا يمكن أن يستمر. وعلى الصعيد الآخر نجد أن المملكة قد عهدت منذ قيامها على مد يد السلام وتحمل مسئولية استتاب أمن الخليج العربي، ويتمثل أبرز الشواهد على ذلك خلال الآونة الأخيرة،في حرص الرياض الواضح على توحيد الصف العربي لمواجهة الخطر الإيراني عبر دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز” حفظه الله لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي ورؤساء الدول العربية من أجل عقد قمتين طارئتين في مكةالمكرمة. وكما أفادت مصادر وزارة الخارجية السعودية فإن الدعوة إلى القمتين جاءت من باب الحرص على التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، حول كل ما يتعلق بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. ومن حيث أن قمة مكة المرتقب انعقادها هي الرابعة عشرة في تاريخ القمم العربية الطارئة، وثاني قمة طارئة تستضيفها المملكة، وأول قمة عربية طارئة تعقد منذ 19 عامًا بعد قمة القاهرة 2000؛ تشير تلك المبادرات من قبل المملكة العربية السعودية تجاه أمن الخليج إلى أنها ملمة جيدًا بتحرك وتوغل النظام الإيراني في المنطقة وتدخلاته في شؤون الدول العربية. هذا بالإضافة إلى الأعمال العدائية التي يقوم بها النظام الإيراني وميليشياته في الشرق الأوسط، وكان آخرها هجوم ميليشيات الحوثيين التي يدعمهاعلى محطتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي كان له تداعيات خطيرة على السلم والأمن الإقليميوالدولي وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية. وعلى الرغم من أن السعودية وجهت أصابع الاتهام إلى إيران وأكدت الشكوك حول أن النظام الإيراني هو من وقف وراء استهداف منشآتها النفطية وأن قرار الهجوم قد اتُخذ في طهران على يد الحرس الثوري المحرك الرئيسي لميليشيات الحوثيين. ونرى الرياض تتبع سلوك الحكمة ولا تبدي رغبة في اندلاع حرب بالمنطقة ونرى هذا جليًا في تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي “عادل الجبير”، والتي أكد خلالها على أن المملكة العربية السعودية لا تريد حرباً في المنطقة ولا تسعى إلى ذلك وستفعل ما في وسعها لمنع قيام هذه الحرب، وفى الوقت ذاته شدد على أن المملكة سترد على الطرف الآخر وبكل قوة وحزم وستدافع عن نفسها ومصالحها في حالة اختار أن الحرب. وعلى الرغم من أن زيادة الضغوط على السلطات الإيرانية من قبل المجتمع الدولي إلا أن الأوضاع تحتاج إلى وقفة صارمة لصد الخطر الإيراني على دول المنطقة وهذا ما تسعى إليه القمتان اللتان دعت إليهما المملكة العربية السعودية في مكةالمكرمة ومن المؤكد أن هاتين القمتين ستكوننا نقطة تحول في مسار الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط التي تعيش في ظل الآونة الحالية العديد من التحديات والأزمات المتلاحقة. من جهته قال الدكتور هانى سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله لعقد قمتين عربية وخليجية في توقيت هام للغاية لتعكس حجم التهديد الإيراني والمخاطر المحيطة بدول الخليج والعالم العربي ككل، وتؤكد على إدراك المملكة لأهمية المرحلة وحساسية ما يواجهه العالم العربي من تحديات، تقتضي الوقوف صفاً واحداً. وفي ظل تواتر الانتهاكات الإيرانية، فهناك حاجة لبلورة موقف عربي موحد لتعزيز قدرات الردع ومواجهة الممارسات الإيرانية التي تتعارض مع مبادىء العلاقات الدولية، وتخالف القيم والأعراف الدبلوماسية، وتنتهك حقوق الانسان والقانون الدولي. إن تشكيل موقف عربي موحد في تلك القمة يظل هدفاً هاماً يجب أن يظل مستقلاً عن أية ضغوط خارجية، كما أنه يجب أن يسعى أولاً لاستكشاف السبل المختلفة لوقف التصعيد الذى قد يعرض المنطقة لمواجهات مفتوحة تنال من استقراره وأمنه وتكون عواقبه وخيمة على الجميع. غير أن ذلك يتطلب في الوقت ذاته التوافق على استراتيجية عربية واضحة لمواجهة التدخلات والاعتداءات الإيرانية سواء كانت بشكل مباشر أو من خلال ميليشياتها وأدواتها في المنطقة، من خلال بحث ترتيبات أمنية واستراتيجية لحماية أمن الخليج من خلال التعاون الاستخباراتي واللوجستي، وتأمين الممرات الملاحية والأمن البحري وحركة التجارة العالمية، خاصة في مضيق هرمز الذي يمر به حوالي 40% من تجارة النفط في العالم. أعتقد أن تلك القمة يجب أن تختلف عن القمم السابقة في ضرورة تبنيها رؤية واضحة وموقف متجانس وإجراءات عملية بعيداً عن البيانات وجمل الرفض التقليدية . وذلك يتطلب ضرورة حسم بعض القضايا العالقة والخاصة بترتيب البيت العربي والخليجي؛ في ظل وجود أزمة خليجية تتمثل بموقف دولة قطر الغامض وضرورة تجاوز تلك المسألة وعبور تلك المرحلة الصعبة بشفافية ووضوح، وأيضاً ضرورة تحديد مواقف بعض الدول ومساعدتها لعبور مسألة التدخل الخارجي في شئونها، وبخاصة لبنان، العراق. وحسم الترتيبات الأمنية الخاصة بمواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات في اليمن، ووضع خطة استراتيجية لحسم المواجهة مع الكيانات الإرهابية وجماعة أنصار الله الحوثيين، ودفع فرص الحل في الداخل السوري ضمن ترتيبات تضمن وحدة الأراضي السورية وإخراج الميليشيات التي تعمل ضمن أجندة طائفية. إن وضع آلية لترتيبات الأمن الجماعي تعد خطوة هامة للغاية، غير أنه يجب لتحقيق ذلك الهدف، محاولة تسوية القضايا العالقة والنقاط الخلافية، من أجل وضع نواة حقيقية لأمن عربي وخليجي قوي، قادر على الصمود والاستمرار في ظل ريادة حكيمة متمثلة في المملكة العربية السعودية وضمانة مصرية مع بعض الأطراف الفاعلة مثل الإمارات، بحيث يتم منع تكرار أية محاولات إيرانية للنيل من أمن الدول العربية وأمن الخليج، عبر تجريدها من أدواتها والقضاء على الميليشيات الإرهابية أولاً، ثم تشكيل قوة ردع ثانياً تحاصر ميولها التوسعية وأطماعها الطائفية. يتوازى مع ذلك ضرورة توحيد الموقف العربي، وقيادة حملة دبلوماسية دولية وعبر المنظمات الدولية المعنية لتتبع انتهاكلت إيران المتعارضة مع الأمن الاقليمي، وفرص ترتيبات السلام، والتي تتعارض مع القانون الدولي للبحار، ومع القانون الدولي الإنساني، وقوانين البيئة والسلامة. من جانبه قال أحمد قبال الباحث المتخصص فى الشؤون الإيرانية تحتضن العاصمة الروحية لمسلمي العالم ومهبط الوحي مكةالمكرمة ثلاث قمم (عربية وخليجية وإسلامية) في ضوء التهديدات والتحديات التي تمر بها المنطقة وتجعلها على حافة انطلاق شرارة الحرب بين إيران والولايات المتحدةالأمريكية. وفيما كانت القمة الإسلامية العادية، مقررة سابقا، وبالتزامن مع انعقادها دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله إلى قمتين طارئتين خليجية وعربية. ويبدو أن الموقف العربي الموحد سيكون من أهم انجازات القمتين العربية والخليجية إذا أخذنا في الاعتبار توقيت القمة والأوضاع السياسية الملتهبة، والسيناريوهات الخطيرة المحتملة، والمساعي المبذولة من أجل استعادة المنطقة لهيبتها ومكانتها التي فقدتها جراء اهتزاز البيت الخليجي حتى أصبح من السهل اختراقه في ظل الظروف السائدة الآن. وحدة الصف وتنسيق المواقف ضرورة في هذه الظروف الدقيقة، وللرياض رصيد عربي وإقليمي ودولي يؤهلها للقيام بهذا الدور، ومن المتوقع أن تكون قرارات القمتين العربية والخليجية التي ستشهدها مكةالمكرمة على درجة كبيرة من الأهمية وصولا لصياغة رؤية استراتيجية عربية للتعامل مع مختلف التحديات الإقليمية والدولية على النحو التالي: أولا، وضع سياسة عربية موحدة لردع إيران والخروج بموقف عربي وإسلامي متشدد ورادع ضد إيران، وتوجيه رسالة حاسمة ترفض تعريض أمن دول الخليج للخطر، ووقف الاستفزازات الإيرانية بما في ذلك أذرعها الحوثية واستمرار إطلاق الصواريخ بأوامر إيرانية على الأراضي السعودية . إضافة إلى استهداف مصالح دول خليجية أخرى، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز، إذا لم يسمح لإيران بتصدير نفطها. مع تبني رؤية محايدة لوقف التصعيد الذى قد يفضى في أي لحظة لكارثة جديدة . ومن ثم عدم اختزال قمة مكة في أهداف ضيقة وإنما تبني رؤية لتجميع العرب حول هدف واحد وهو الدفاع عن الأمن القومي العربي، وليس عن أمن السعودية فقط؛ لأن السعودية قد تكون قادرة على حماية أمنها وأمن مواطنيها، لكن الخطر الإيراني لا يهدد السعودية فقط، وإنما يهدد الأمن القومي العربي. ثانيا، تبني رؤية عربية جديدة وشاملة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية الخليجية والعلاقات الخليجية العربية مع الاخذ في الاعتبار ما تم انجازه على صعيد التكامل الاقتصادي الخليجي والنهوض بتكتل خليجي على الصعيد السياسي والاقتصادي العسكري، يكون لديه القدرة على مجابهة أي تهديد إيراني. ثالثا، تسوية الصراع في اليمن بشكل كامل بالتعاون مع كافة مكونات الشعب اليمني دون استثناء وبما يضمن عودة اليمن بكل أطيافه إلى بوتقة الإجماع العربي، والعمل على تقليص دور ونفوذ إيران من خلال تعظيم الدور القومي العروبي داخل أوساط الشعب اليمني. وأخيرا وفيما يتعلق بالعراق وسوريا ولبنان وهي دول عربية ظلت لسنوات خاضعة لنفوذ قوي وتدخل واضح من النظام الإيراني يجب أن تتبنى القمة العربية والخليجية رؤية مشتركة ومشروع عربي طويل الأمد لمساعدة تلك الدول على النهوض من جديد اعتمادا على محيطها العربي دون اللجوء إلى إيران.