فكّرت يومًا بالرحيل، فحطّ حسّونٌ على يدها ونام . وكان يكفي أن أداعب غصن داليةٍ على عجلٍ ... لتدرك أنّ كأس نبيذي امتلأت . ويكفي أن أنام مبكّر ًا لترى منامي واضحًا، فتطيل ليلتها لتحرسه ... ويكفي أن تجيء رسالةٌ منّي لتعرف أنّ عنواني تغيّر، فوق قارعة السجون، وأنّ أيّامي تحوّم حولها ...وحيالها " 2 " أمّي تعدّ أصابعي العشرين عن بعدٍ . تمشّطني بخصلة شعرها الذهبيّ . تبحث في ثيابي الداخليّة عن نساءٍ أجنبيّاتٍ، وترفو جوربي المقطوع . لم أكبر على يدها كما شئنا : أنا وهي، افترقنا عند منحدر الرّخام ...ولوّحت سحبٌ لنا، ولماعزٍ يرث المكان . وأنشأ المنفى لنا لغتين : دارجةً ... ليفهمها الحمام ويحفظ الذكرى، وفصحى ...كي أفسّر للظلال ظلالها ! " 3 " ما زلت حيדָا في خضمّك . لم تقولي ما تقول الأمّ للولد المريض . مرضت من قمر النحاس على خيام البدو . هل تتذكرين طريق هجرتنا إلى لبنان، حيث نسيتني ونسيت كيس الخبز " كان الخبز قمحيדָا ". ولم أصرخ لئلاّ أوقظ الحرّاس . حطّتني على كتفيك رائحة الندى . يا ظبيةً فقدت هناك كناسها وغزالها ... " 4 " لا وقت حولك للكلام العاطفيّ . عجنت بالحبق الظهيرة كلّها . وخبزت للسّمّاق عرف الديك . أعرف ما يخرّب قلبك المثقوب بالطاووس منذ طردت ثانيةً من الفردوس . عالمنا تغيّر كلّه، فتغيّرت أصواتنا . حتّى التحيّة بيننا وقعت كزرّ الثوب فوق الرمل، لم تسمع صدًى . قولي : صباح الخير ! قولي أيّ شيء لي لتمنحني الحياة دلالها . " 5 " هي أخت هاجر . أختها من أمّها . تبكي مع النايات موتى لم يموتوا . لا مقابر حول خيمتها لتعرف كيف تنفتح السماء، ولا ترى الصحراء خلف أصابعي لترى حديقتها على وجه السراب، فيركض الزّمن القديم بها إلى عبثٍ ضروريٍّ : أبوها طار مثل الشركسيّ على حصان العرس . أمّا أمّها فلقد أعدّت، دون أن تبكي، لزوجة زوجها حنّاءها، وتفحّصت خلخالها ... " 6 " لا نلتقي إلاّ وداعًا عند مفترق الحديث . تقول لي مثلاً : تزوّج أيّة امرأة من الغرباء، أجمل من بنات الحيّ . لكن، لا تصدّق أيّة امرأة سواي . ولا تصدّق ذكرياتك دائمًا . لا تحترق لتضيء أمّك، تلك مهنتها الجميلة . لا تحنّ إلى مواعيد الندى . كن واقعيדָا كالسماء . ولا تحنّ إلى عباءة جدّك السوداء، أو رشوات جدّتك الكثيرة، وانطلق كالمهر في الدنيا . وكن من أنت حيث تكون . واحمل عبء قلبك وحده ... وارجع إذا اتّسعت بلادك للبلاد وغيّرت أحوالها ... " 7 " أمّي تضيء نجوم كنعان الأخيرة، حول مرآتي، وترمي، في قصيدتي الأخيرة، شالها !