هل ما زلنا نحن العرب، خير أمة أخرجت للناس ننفع شعوب الأرض ونتسارع في عمل الخيرات ؟ أم أصبحنا متأخرين عن ركب الحضارات؛ حيث تجمد العقل ورخصت المبادئ ؟ هل ما زلنا عند حسن ظن الله بنا الذي قال في محكم تنزيله : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، فجعل النبوة تظهر بيننا ، ونكون حملتها وناشري أديانها السماوية ، حين كانت العادات الأصيلة مدينتنا الفاضلة ، نستميت دفاعاً عن شرف ينتهك ، وعن ملهوف يستغيث وعن مكروب يستجدي ، لا نرضى ذل الضمير ولا ربقة الغزاة الطامعين .. كما قال المتنبي : عِش عَزيزاً أَو مُت وأَنت كَريم … بين طَعنِ القنا وخفقِ البنود إننا نعيش اليوم في زمن العولمة ، حيث الغزو الفكري يهاجم موروثنا الثقافي ويهز أركانه ، فلا نقوى على صده ولا التبادل معه ، فنحن لم نتحصن بالعلم الكافي لنصارع هذا الغثاء الجارف بالنقد والتحليل ومعرفة منطق الأمور ، فقد سادت فوضى الاحساس ووهن الضمير وتضخمت الأنا ، بدأنا نعد مناقب العربي على أصابع اليد ، وخسر البعض منا العديد من صفات الفروسية والوطنية الجامعة المانعة ، وبات كل انسان يغني على ليلاه .. فانتشر الاستهلاك في المحرمات ، والهجوم على المرجعيات وتفجرت أزمة الهويات ، وذبحت الأعراق باسم التطهير ، وانتشرت الإباحية باسم التمدن والعصرنة ، وكثر التنمر في المدارس والتعدي على المعلمين ، وتبددت الاهتمامات فلم تعد البرامج الثقافية تستهوينا ولا الحوارات الجادة تضبطنا ، فتشتت الذهن وضعف التركيز ، وتعب الفكر من شدة الإشعارات (notifications ) الالكترونية التي ترد أجهزتنا الذكية على مدار الثانية ، والتي أثرت سلباً على جودة انتاجنا وعلى مهارة تواصلنا مع الآخرين . يقول الكاتب الفرنسي Rabelai: "العلم بلا ضمير ليس إلا خراب للنفس " .يجب الاعتراف بضرورة أن تحدّ سلطة التكنولوجيا بسلطة الأخلاق، ويجب أن لا نسمح للعولمة أن تعمم القيم الثقافية علينا كما عممتها في الاقتصاد وأنظمته .. يقول غاندي.. " أفتح نوافذي لكل رياح العالم ولكن دون أن تقتلعني من جذوري ".. المطلوب الآن أن نتحدى هجوم العولمة بثبات القيم وسلاح العلم ،وأن نعيد احساسنا بالمدى والندى وتذوق الجمال ، وأن نعزز أصول التربية التي تؤمن بالإباء هو روعة الكبرياء ، والتسامح شيمة القادة الأقوياء، واحترام رأي الآخر هي أولى درجات النجاح ، وأنه من غير البداهة والذكاء أن تكون أنانياً ، وليس من الايمان أن تخون وطنك وتتآمر ضده ، وليس من المروءة أن لا تكون ظهيراً للمظلومين وناصراً لإخوانك في الدين أونظرائك في الخلق المستضعفين ..