بالأمس كنت في زيارة صديق لي، يرقد على السرير الرمادي في أحد المستشفيات الخاصة، حيث تغطي نفقات علاجه إحدى شركات التأمين العاملة في المملكة .. ولله الحمد، وجدت صحته في تحسن ملحوظ ..وعلمت أن لديه مناسبة عائلية مهمة مرتبة مسبقا، وتتطلب حضوره فاستأذن الطبيب المعالج عن إمكانية ذلك .. فسمح له الطبيب بالخروج من المستشفي على أن يعود خلال 3 ساعات؛ من أجل استكمال العلاج المبرمج .. وهذا يعتبر عرفا سائدا في المستشفيات حول العالم .. وفجأة جاءت تعليمات شركة التأمين بتهديد صريح بأن المريض سيفقد حقه في استكمال العلاج، إذا ما غادر المستشفي لمدة 3 ساعات ..وعليه أن يبدأ الإجراءات من أولها لإعادة إدخاله للمستشفي، وعلى الأرجح سوف لن يسمح له بالعودة. ؟! فذهبت إلى مندوبي شركة التأمين في المستشفي لحل المشكلة، واضطروني للتنقل من مكتب إلى آخر .. ومن شباك إلى كشك .. بحثا عمن لديه الصلاحية لحل هذه المعضلة .. ولكن هيهات ..لأن من يجلسون خلف الكاونترات والأكشاك، والمكاتب، هم .. موظفون من ورق .. ليس لهم حول ولا قوة! والأدهى والأمر أنك لن تستطيع أن تجد أو تتحدث مع أي مسؤول من شركة التأمين ! إنه الإجحاف والإذعان والضياع لحقوق العملاء دون حسيب أو رقيب! عزيز القارئ .. ماقصصته عليك هو نموذج لحالة من آلاف الحالات، التي تمارسها شركات التأمين الطبي وحوادث السيارات .. لن تستطيع أن تأخذ حقك كعميل، أو مستهلك لخدمات شركات التأمين؛ لأن الوقت ليس في صالحك ولا يمكنك تأجيل الإذعان لقرارات التأمين أو حتي مناقشتها، فعامل الوقت حاسم في هذين الفرعين. ! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو .. هل تدرك صناعة التأمين وشركاتها أن العميل المؤمَن عليه، هو سبب وجودها؟ !.. وهل تدرك هذه الشركات أن العميل يعتبر نفسه مغبونا؛ لأنه يدفع نقودا، ولا يحصل على عائد مقابلها لفترات طويلة، إذا ما مرت الأمور بسلام دون مرض أو حوادث .. ويعتبرها أموالا ضائعة أو مفقودة، ومن حقه أن يشارك شركات التأمين في الاستفادة بجزء من هذه الأموال !! وحيث إن خدمات التأمين غير ملموسة أو محسوسة، فيجب على شركات التأمين أن تحسن خدماتها وعلاقاتها مع عملائها .. وأقصد هنا التواصل الفعال مع العميل، وأن يجد من يتحدث إليه في كل الأوقات، وأن يحل مشكلته ويتجاوب معه، ويخرج عن إطار الإجراءات الجامدة، التي تقف عقبة أمام تلبية احتياجاته، وتفهم مشكلاته، وأن يكون لديهم المرونة في تطبيق النظام بما يلبي توقعات العميل. ياسادة ..أقترح على شركات التأمين أن تختار عددًا من المنشآت، التي تقدم خدمات متميزة؛ مثل البنوك والفنادق والمطاعم وتعمل علي تطبيق أهم خدماتها والاستفادة منها، والتي تتواءم ومتطلبات عملاء شركات التأمين . وأيضا أقترح أن تستفيد شركات التأمين من التكنولوجيا وتطبيقاتها؛ لتعضيد وتقوية أواصر التواصل بين الشركة والموظفين وعملائها، وحل مشكلاتهم وتلبية احتياجاتهم بشكل فوري وعلى مدار الساعة. وأخيرا .. يجب على شركات التأمين العاملة هنا ..أن تكون مستعدة للمنافسة العالمية القادمة من خلال رؤية 2030، وأن تبذل قصارى جهدها في تقديم خدمات إبداعية متميزة تبعد عنها شبح الخروج من السوق إلى الأبد.