يقع سوق الجامع في حارة المظلوم في مدينتنا الحبيبة جدة. سمي سوق الجامع…. نسبة للجامع العتيق (مسجد الشافعي) أكبر وأقدم الجوامع (مساجد تقام فيها صلاة الجمعة)، ويعود بناؤه إلى زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ، بما ثبت من بناء منارته الوحيدة المميزة الباقية حتى تاريخه في القرن السابع الهجري . يمتد سوق الجامع شرقًا في اتجاه الغرب بطول يصل إلى 250 م. وللسوق مدخلان من الناحية الشرقية. المدخل الأول، منخفضٌ من سوق البدو من الناحية الشرقية الشمالية من عند بيت الشيخ محمود عبدالقادر قدوري (رحمه الله)، حيث ينخفض بحوالي متر ونصف مرورًا بفرن شعلان. المدخل الثاني من الناحية الشرقية الجنوبية منخفضًا من عند بيت العم عبدالقادر صابر (رحمه الله)، بنزلة حتى تصل بيت أبو العينين. سوقي البدو والجامع يمران بمجرى سيل متجه غربًا حتى يصل في نهاية سوق الجامع عند بيت العم عبيد قرشي (رحمه الله)، وبيت باديب ومطبخ فروان. يمتد صفي الدكاكين من الناحيتين الشمالية والجنوبية، والتي يمتلك معظمها الأشراف، ويمتهن أصحابها أعمال التجارة، وتجد معامل الحلوى والمعاصر وأعمال أخرى نتطرق لبعضها لاحقًا، حتى نصل إلى زقاقين عموديين على السوق، وقبل الوصول إلى مسجد الشافعي. الزقاق الأول للمتجهه شمالًا مرورًا ببيت العم عبدالوهاب ساعاتي (رحمه الله) ومخازن باعشن للجراك قبل الوصول إلى دار كبيرة وقف أبو صالحه حتى تصل بازان المظلوم (عين الشافعي) وعلى يسار المتجه شمالًا تجد محراب مسجد الشافعي الخارج عن حدود المسجد حتى تصل إلى بيت الشيخ محمد صالح شيخ إمام مسجد الشافعي، والمأذون (رحمه الله)، وبعده مطبخ محمود حلواني، و فرن صلاح. ويستمر المتجهه شمالًا حتى برحة الشيخ علي شحات (عمدة حارة المظلوم). أما الزقاق المتجه جنوبًا والمتعامد مع السوق…. زقاق ضيق جدًا يمر بدار المرحوم ألماس خميس (مقاول إنارة حواري جده بالأتاريك) وأمامه بيت محمود رجب، ثم تجد دكان عم ناصر بائع بسكوت الهوى بألوانه المميزة مع بياع الحلوى في قواريره الزجاجية الطويلة ( النعناع واللمونية) وتصل جنوبًا إلى برحة القمصاني حيث كتاب السيد محمد عطيه (رحمه الله) وتتعداه حتى تصل في نهاية الزقاق إلى مقلا يعقوب (حيث يحمص اللوز ،الحمص ،الفصفص وكذلك الزرمباك). وبعد وصف المشاهد المكانية للجزء الشرقي من السوق، دعونا نُعرِج على بعض المشاهد الحياتية لسوق الجامع كالتالي: تجد في منتصف النزلة من سوق البدو لسوق الجامع على اليمين فرن شعلان ، حيث بُنى في مدخله عتبة تمنع دخول سيول المطر ويتبعها ثلاث درجات حتى تنزل لفرن العيش الذي يمتنع صاحبه من قبول صواني الحوت (السلماني بالحمر والعربي المبزر) خوفًا من أن تمسك الريحه في أقراص عيشه المميز، بينما نضطر للذهاب إلى فرن صلاح شمال مسجد الشافعي أو نهاية السوق عند فرن الصعيدي (عبدالعال) لطهي صواني الحوت. ويصل جميع الأفران طبليات أقراص عجين العيش البيتي من نواحي الحارة مع قرص الحنانة(قرص مخصص للولد إلي أخذ الطبلية للفرن) ولكي لا يأكل من أقراص العيش المخصصة لسفر الغذاء والعشاء في البيت. تجد بعد الفرن معصرة محمد ناجي للزيت والذي يسكن مقابلها في الناحية الجنوبية. معصرة لزيت السمسم والنارنجين وغيره، وفي نفس المعمل يتم عمل الحلاوة الطحينية البلدي (حلاوة شعر) ويتم تشكيلها بتمرير عجينتها الحلوة المخلوطة بطحينة السمسم على مسمار حديدي كبير مسمّر على الجدار، ويستمر بتدوير العجينة لفترة طويلة حتى تصبح على شكل خيوط منفردة خفيفة لتتكون لدينا حلاوة شعر.وكذلك يتم عمل الحلاوة المطي ، والتي يضعها بائعها المتجول في كروانة أو تبسي توتوا معلق على عمود يمر في وسطها وتكون الكروانة مائلة ليسهل سحب الحلوة المطي وقص وصلة منها بالمقص ويقوم بائعها المتجول بوضعها على قطعة ورق ليلحس منها الأطفال!!!. ظهر الدكاكين الشمالية تجد بيت بن مساعد ، وحوش تربية البقر للعم أحمد شعيب (رحمه الله) والذي يدعى لبان الملك عبدالعزيز .كان في سوق الجامع لبانان آخران؛ العم عبدالله عبدالدايم ودكانه في الجهة الجنوبية، وقبل مركاز عمد حارة المظلوم ومدخل الزقاق المؤدي لبرحة القمصاني، واللبان الآخر العم محمد أفندي في آخر السوق من الناحية الجنوبية (دكاكين أوقاف مسجد الشافعي) . لا زلت أتذكر قشطة عبدالدايم ، قشطة موزعة على سطح الزبدية الشينكو ناشفة قليلًا ، ليس مثل القشطة المباعة اليوم والتي تجد معظمها حليب!!. والمتخصص في عمل القشطة قديمًا، كان يبدأ من تغذية بقره بخليط من التخ(عصارة السمسم والنخالة )ويتم وضع قدور أوصواني عمل القشطة ذات الأسطح الواسعة على جمر دقة الفحم(كسر الفحم) أي نار هادية. وبعد تَكون القشطة يُنزل القدر من على النار حتى يبرد تمامًا، تم تقشط طبقة القشطة إلى زبادي الشينكو، قبل إعادة القدر على فحم الدقة. في الناحية الجنوبية تجد بيت أبو العينين المميز في مبناه ودرجته العالية حماية من المطر، والذي تجد أسفله صهاريج كبيرة لتخزين مياة الأمطار وما يصلهم من ماء الرديخ(مياه الآبار المالحة). أقترح إضافته للبيوت المحافظ عليها في جده التاريخية… والذي يمكن تحويله إلى مطعم للأكلات الشعبية للاستفادة من الغرف والصالات الواسعة. وبعد بيت أبو العينين تجد بيت علي فلايني(رحمه الله) الذين اشتهروا بعمل وبيع المنفوش ( نوع خفيف من الكُربو)، أقراص حمام البر الحار (فلفل) والبارد…. وكذلك يصنعون حلاوة قطن بألوانها المختلفة بإضافة صبغات التوت والمنجا وغيره من الأصباغ ويخرجون بمكينة الحلاوه القطن وصواني حمام البر وصندوق المنفوش أمام مدخل العزلة المجاورة عصرًا وأحيانًا يتجولون بمنتجاتهم عند المدارس فوق عربات مخصصة . حوش دبوس هو دار كبيرة تقع في الناحية الجنوبية من السوق بعد الفلايني (الحوش: فناء يحوي عدة منازل متصلة تكون دارًا واحدًا بمداخل منفصلة)حيث أمامه دكاكين و تسكنه عائلة المُلا والدبوس و عدة عوائل أخرى. وبعده تجد محل الفوال محمد العمودي وأمامه دكان عبدالله بارقبة في ركن بيت الساعاتي أمام مدخل الشافعي القِبلي الوحيد، وذلك لبيع الحبوب من الأرز والعدس والزبيب مع الملح ومعلبات التونة والجبنة والصلصة وغيرها. أما المركاز المشهور في وسط سوق الجامع وأمام مسجد الشافعي من الناحية الشرقية الجنوبية ، فذلك مركاز عمدتين سابقين لحارة المظلوم تتابعا في استخدام المركاز لمشيختهما. الأول سيدي لأمي الشيخ محمد معروف، والثاني للشيخ عبدالرحمن عبدالدايم.ثم تولى العم عبدالله عبدالدايم المركاز بعد وفاة والده. المركاز صغير يمر عليه الكثير من رجال الحارة، وتناقش فيه قضاياهم المختلفة. سوق الجامع يمثل المجتمع الجداوي المترابط، حيث أصحاب الأفران والبقالات وبائعي الألبان والحلوى وطبعًا الفوالين… يقدمون العون في تمييز المحتاجين من المجتمع في التبرع لهم وترخيص الأسعار… لكي تكتفي الأسر الفقيرة باحتياجاتهم اليومية. ذكرت بعض المشاهد عن حياة سوق الجامع، وقد أتمكن من تذكر مشاهد إضافية، بإذن الله. [email protected]