لعل ما يلفت النظر في عصرنا هذا تيار التغيير الجامح الذي يكتنف امورنا الحياتية العامة والخاصة حتى ان بعضها يدخل في ادق التفاصيل الخاصة بالفرد، فيحدث له عملية غسل دماغ سريعة عبر وسائل الاعلام والاتصال السريعة التي يزداد نفوذها وتأثيرها علينا، وكل ووعيه! فالتغيير في الأذواق يشمل ميادين عدة، منها المأكل والمشرب والملبس والديكور والموسيقى والغناء وأسلوب الحياة والتعامل والسلوك. ولن نخشى التغيير عندما يكون نحو الافضل لانه يكون بمثابة مكسب للفرد والجماعة بل للبشرية جمعاء، والعكس صحيح. ولشدة ما نخشى هذا "العكس" ما دعاني للكتابة عن "الذوق" هو اطلاعنا على خبر غريب يتحدث عن تراجع حاسة "الذوق" عند اطفال "النمسا" بحيث اصبحت غالبيتهم لا تميز طعم الملوحة "المرارة" من الحلاوة بعد ان اختلط عليهم الامر نتيجة ضعف اياب حاسة الذوق عندهم. وربما لا تتعلق هذه الظاهرة بأطفال النمسا فحسب، لأننا لو اجرينا اختبارا على اطفال العالم فقد نجد من يعاني من هذه الظاهرة لاسيما ان الخبراء اكدوا ان السبب وراء هذا التراجع يعود الى انتشار الوجبات السريعة والمشروبات المرافقة لها. وتبين ايضا ان الاطفال الذين لا يتناولون الاطعمة المذكورة اعلاه بكثرة، مستعيضين عنها بانواع مختلفة من الغذاء الطبيعي المجهز في البيوت لا يشكون من ظاهرة تراجع حاسة "الذوق". وهذه النتيجة تستحق مزيدا من البحث والمتابعة لمعالجة هذا التراجع والوقاية منه. ولشدة ما نخشاه ان تراجع "الذوق" لا يرتبط بالطعام بل في مستويات الذوق كافة مما ينعكس سلبا على التطور الاجتماعي والثقافي وعلى السلوك الحياتي والاداء العملي والعلاقات بين الناس من حب وكراهية، خالقا فوضى تقلب الامور رأسا على عقب، فيتغلب الجانب البدائي عند الإنسان على الجانب الحضاري فتتراجع الإنسانية علما بأن "مستوى" الذوق بانواعه من "قليلة" وكثيرة، هو المعيار الذي يقاس وفقه رقيّ الشعوب وثقافتها. مدير عام وزارة التخطيط - متقاعد فاكس: 6658393