هناك بعض الذكريات التى كلما مر الوقت عليها أصبحت أكثر عمقاً، أكثر توحشاً، أكثر ألماً للنفس، عكس الشائع أن الإنسان مع مرور الوقت قد ينسي الإساءة أو الجرح فهنا نعمة النسيان لا تحضر أبداً ولا تجعل فى القلب متسعاً للتسامح التجارب المؤلمة ومشاعر الحزن لأنها دائماً الأصدق تكون الأقوى والأبقى عكس مشاعر الفرح التى قد تجعلنا نبتسم يوم يحل الحزن علينا لكنها بالتأكيد لا تستمر كثيراً فالفرح رفيق الذكرى، والحزن رفيق الألم، وما يورثنا الزمن من مصاعب وأزمات تصيب القلب مع مرور الوقت بالتحجر فتصبح خيبات الأمس لا تعرف طريقاً للنسيان، فهى مكنونة داخل القلب وجزء لا يتجزء منه، حتى وإن تساءل الشخص عن طريقاً للنجاة فلم يجد الإجابة الشافية لأنه لطالما لاحقته المصاعب والجراح والعذاب، للخيبات أشكالاً كثيرة ومتنوعة منها النفسى والبدنى والمعنوى ولكن عند النظر لكل الحالات تجد أن العامل المشترك هو الخذلان، خذلان فى الحب، خذلان فى الأبناء، خذلان فى العمل، خذلان فى الأحلام وكل صفة من صفات الخذلان ليست مقتصرة على الرجل المرأة فحسب بل وما يحير أن هناك دائماً صفات مشتركة بين حالات الخذلان وبعضها البعض فعلى سبيل المثال الخذلان فى الحب يأتى فى بعض الحالات بسبب العمل فقد يكون أعظم رجال المال الأعمال نجاحه تحقق بسبب خذلان من إمرأة أحبها حباً شديداً لكن الفقر وقف حائل بينه وبين وصلها ومعايرتها له بالظروف القاسية التى لا دخل له فيها جعلت منه شخص ناجح دون أن تشعر بما فعلته به وقد حقق ما لم يكن سيستطيع تحقيقه وهى بجواره تبادله نفس ذلك الحب العميق الذى لم ينساه حتى الأن وعاينت حالات من هذا النوع، أيضاً الخذلان فى الحب مرتبط بالأبناء فالأباء والأمهات بعد أن يفنون العمر على تربية الأبناء تهب رياح النسيان والجفاف تجاههم فيستيقظون على خيبات العمر الذى ضاع هدر على من لا يقدر، وهناك الكثير والكثير من الأمثلة على خيبات الأمس كالكلمات التى لم نستطيع قولها لمن نحبهم وقت أن طُلب منا قولها ثم غيبهم الموت عن عالمنا فى لحظة غير محسوبة فلازمنا الحسرة والندم ولم ينفعنا التلهف على ما فات والشخص الذى رحل بلا عودة أو خيبات الغدر التى تأتى من أصدقاء العمر أو حتى الإخوة أو الرجل الذى يخدع إمرأة بإسم الحب وتنفى معه أجمل أيام عمرها حتى يتركها بالنهاية وردة ذابلة دون ضمير أو رادع أو خوف من الله