قابلته بحرارة ..وبعد القبلات والاحضان سألته اين ايامه .. واننا لم نلتق منذ زمن بعيد فبادرني قائلا.. مشاغل الحياة ..انت ايضا مشغول .. وانا مشغول لشوشتي ..فقلت له ولكن العالم تغير ..واصبح اكثر سهولة في التواصل .. فلدينا السيارات .. والهواتف الذكية ووسائط التواصل الاجتماعي والمحادثات المرئية ..الخ. فقال لي انا اقضي كل يوم ما يقارب ال 14 ساعة في العمل ..غارق بين الاوراق .. ووضع الحلول للمشاكل العمالية والتشغيلية .. كل ذلك اثر علي علاقاتي الاجتماعية والاسرية .. وسألته عن الاجازات ..فأجابني انه لا وقت للاجازة .؟ وقال ..ومن يقوم بالعمل اثناء غيابي .. وهنا قاطعته وسألته ..ولكن متي تفكر وتبدع وتستمتع بالحياة؟ ! .. فقال لي حياتي هي العمل ..والعمل هو استمتاعي حلي للمشاكل هو الابداع والابتكار؟ ! وهنا اسقط في يدي لان صديقي التنفيذي غارق بين الاوراق .. ولديه مفاهيم خاطئة عن الابداع والابتكار والاستمتاع بالحياة .. عزيزي القارئ ..هذا هو حالك وحالي وحال الكثيرين مشغولون علي الدوام ولا نجد وقتا للتواصل بالرغم من وسائط المواصلات والتواصل الاجتماعي ..وغدا ستكون الحياة اكثر سهولة ..فستأتينا السيارات ذاتية القيادة ..وطائرات الدرون وبرامج الواقع الافتراضي المعزز والذي يتيح لنا التلاقي الالكتروني ..وغيرها الكثير ..والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل كل ذلك سيتيح لنا الكثير من الوقت للاستمتاع بالحياة؟ ! . مؤشرات اليوم تقول لنا لا؟ ! والف لا؟ ! يبدو لي اننا فعلا لن نستطيع ان نستمتع بالحياة ..لان المعضلة الحقيقية هي الكم الهائل من المعلومات الذي يغرقنا كل ثانية ودقيقة ونجد انفسنا منقادين لا شعوريا للاستجابة الي تنبيهات هواتفنا ولوحياتنا بان هناك خبرا او معلومة جديدة او حتي اشاعة وصلت للتو ..كل تلك المعلومات تقودنا للانشغال والتفكير فيها ..مما ينتج عنها ضغوطات هائلة علي عقولنا واجسامنا وطريقة تفكيرنا والتأثير علي صحتنا النفسية وعلاقاتنا الاجتماعية ..ويعيق الابداع والابتكار لدينا .. آخر الدراسات تشير الي ان الابداع والابتكار ينحسران ويحجمان عن التوهج كلما كان الانسان منشغلا اومشغولا بامور متفرقة طوال الوقت .. وليس لديه الوقت لممارسة مهاراته في احلام اليقظة .. الدراسات تشير الي انه لا بد ان يكون هناك توازن بين التفكير الخطي الذي يتطلب تركيزا شديدا ..وبين التفكير الابتكاري او الابداعي والذي يتوالد من رحم الاسترخاء والاستمتاع بالفراغين الوقتي والمكاني .. الزمكان .. جميع علماء المخ والاعصاب يؤكدون تلك الحقيقة ..فالكم الهائل من المعلومات الذي يغزوا عقولنا وفكرنا كل لحظة وثانية ..تجعل من ادمغتنا وطرق تفكيرنا مشوشة للغاية ..؟! وتمنع عنا فرص الالهام والابداع والابتكار والتي هي من اساسيات مهام المخ البشري التلقائية وايضا يؤكد علماء المخ والاعصاب علي ان احلام اليقظة تساعد علي انسياب الافكار الابداعية واعادة دراسة علاقات الاشياء ببعضها البعض! ! والتي تقود بالضرورة الي حل المشاكل بطرق غير تقليدية وذات مردود اعلي! !. عزيزي القارئ .. لقد اثبتت الدراسات ايضا ..ان الادمان علي مطالعة هواتفنا الذكية يقودنا في النهاية لفقدان قدرتنا علي الابداع والابتكار ..لانها تحول دون الاسترخاء المطلوب لاراحة المخ واطلاق قدراته الابداعية الكامنة ..وان العديد من الاكتشافات التي غيرت وجه البشرية تحققت اثناء عمليات الاسترخاء التي كان يمارسها اصحابها مثل موزارت وانشتاين ونيوتن ودافنشي وايلون ماسك وستيف جوبز . وغيرهم كثيرون. ان تحقيق ذلك يتطلب منا اعادة برمجة انماط واساليب حياتنا وحياة اطفالنا عن طريق ممارسة رياضة المشي دون هواتف والاسترخاء واسترجاع الذكريات الجميلة والتفكير في الامور التي تسعدنا .. والاستماع الي الموسيقي .. والحد او التقليل من الاعمال والنشاطات التي تحتاج الي تركيز شديد .. اعزائ ..وباختصار شديد ..لقد افرز لنا العصر الجديد مرض جديد اسمه فوبيا فقدان المعلومة .. او الخوف من عدم متابعة المعلومات .. حيث ان الانسان الحديث يستهلك اليوم كما من المعلومات يفوق الاف ماكان يستهلكه منذ عشرة اعوام.. هذا المرض. يقود في النهاية الي القلق والتوتر وضغوط نفسية هائلة ويصعب علاجه ان لم نستدركه من الان. إن العالم يحتاج الي ابداعاتك ..