أن تَقبل فتاة جامعية بالعمل مستخدمة في إحدى مدارسنا مع زوجها وهي الوظيفة البسيطة التي لا اشتراطات لها سوى عقد نكاح ساري المفعول .. أمر مستفز .. يعطي دلالة كبيرة على خلل مجتمعي لا يمكن إنكاره وإن رآه البعض حرية شخصية وإن من حقها ممارسة حياتها بالطريقة التي تختارها .. حتى لو افترضنا جدلاً أننا مخطئون وأن هؤلاء محقون في الكثير من " الهرطقات " التي يبررون فيها أخطاءنا ويسوغون من خلالها للفاسدين حتى يستشري فسادهم .. إلا أن للأمر أبعاداً كثيرة تهمنا وتجعل منه قضية رأي عام مع أن هذه الفتاة بالمنظور الفردي قد تتعرض أيضاً لبعض المواقف غير الجيدة في حال جمعتها الوظيفة بزميلاتها في الدراسة كونهم سيكونون بين خيارين أحلاهما مر فالتعاطي معها كصديقة يفسد العمل والتعامل معها كخادمة وهو الأوجب يدمي قلوبهن .. وقد يقعن في إشكالية أخرى بمناداتها ب " الخالة " كعرف سائد أو مخاطبتها باسمها وتمييزها عن زميلاتها مما يفسد علاقتهن بباقي الخالات ناهيك عما تفرزه غيرة النساء في مثل هذه الحالات من مواقف يصعب تفسيرها .. المهم بالنسبة لنا وبعيداً عن كل ذلك أن قبولها بهذه الوظيفة لم يكن إلا بضغط قوي أجبرها على خوض غمار هذه التجربة سواءً أكان ذلك من زوجها الذي لا يحمل سوى شهادة الدراسة الابتدائية وفرصته في العمل متوقفة على مثل هذه الوظائف المتدنية أو من المجتمع الذي فرض عليها الزواج من رجل لا يناسبها بالتعقيدات الكبيرة التي تقف حائلاً بينها وبين العثور على الزوج المكافئ لها على الأقل علمياً إن لم يكن في النسب والمكانة الاجتماعية بعيداً عن المشاعر التي ليس لها وزن في مجتمعي ولا يُعترف بها على الإطلاق أو من وزارة الخدمة المدنية التي ليس لديها منهجية واضحة للقضاء على البطالة وتعتاش على المكرمات الملكية أو من الجامعات التي لم تستطع حتى هذه اللحظة ربط تخصصاتها بسوق العمل . في النهاية علينا الوقوف بصدق أمام هذه الحالة فهي لا تمثل الفتاة وحدها بل تمثلنا جميعاً فالمهندس الذي يقبل بوظيفة جندي وحامل شهادة الماجستير الذي قرر الانضمام لأسطول كريم .. كل هؤلاء لا يمثلون أنفسهم ولا يتحملون قراراتهم بل هدفهم تعريتنا أمام أنفسنا لعلنا نوقف هذا العبث الذي نعيشه في أنظمتنا وفي أخلاقنا .. فالمرأة لن تكون على دين زوجها إلا إذا أجبرناها على ذلك بهضم حقوقها وإذلالنا لها .