فى وسط الزخم العالمى بفوز مرشح الحزب الجمهورى "دونالد ترامب" برئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وجدتنى أفكر بزخم أيضا فيما يسمى ب (النظام العالمى الجديد) … ذلك المصطلح الذى استخدم منذ أربعة عقود تقريبا,حيث بدأت بعض دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز المطالبة بنظام عالمى جديد لتغيير وتطوير الوضع الدولى القائم آنذاك فى مطلع الخمسينات, من أجل توسيع قاعدة المشاركة الدولية, إلا أن هذا المفهوم بطبيعة الحال قد تبخر تماما، وذلك لعدم إستجابة واقتناع الدول الكبرى به نظرا لتعارضه مع مصالحها. إلى أن جاء "جورج بوش" الأب إلى سدة الحكم فى الولاياتالمتحدة ,وقام بوضع المفاهيم الأولى الغامضة لتلك النظام، والتى أوضح بعد ذلك "تونى بلير" بعضها, ومؤخرا وضع "باراك أوباما"النقاط على الحروف. وبعبارات أخرى نستطيع القول بأن هذا "النظام" بدأ من حيث انهزمت الشيوعية وانتهت إمبراطورية الشر التى استندت اليها, فظهر نظام جديد مؤيد لإنتصار الرأسمالية الغربية ونظام العولمة , معلنا هدم النظام الدولى ثنائى القطبية , ليتجلى نظام آحادى القطبية سمحت فيه أمريكا لنفسها بإرتكاب كل أنواع الشرور رافعة شعارات الديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة و… غيرها من المبادئ، وكلها كلمات حق ولكن الولاياتالمتحدة أرادت وتريد بها باطل. فذلك النظام العالمى الجديد الذى تتزعمه أمريكا ما هو إلا إستمرار للنظام الاستعماري القديم, والذي تجرعت وتتجرع الإنسانية ويلاته كل لحظه فى معظم بقاع الكرة الارضية, ويحضرنى وأنا أكتب تلك الكلمات مشاهد تفتيت دولتين من أقدم وأعرق دول المشرق العربى الذى بات حزينا ,فقد أصبحت العديد من دوله فى خريف دائم, وكم يشعر قلبى بالوجع والحسرة لحصار العراق وتدمير جيشه وترويع أهله وقتل أطفاله ممن لا يجد الكثير منهم اللبن والدواء .. على أيدي دواعش الإرهاب الأمريكي, ويزيد القلب وجعا مشاهد الدمار والخراب فى سوريا وخروج أكثر من 12 مليون مواطن سورى ما بين لاجىء ونازح، تعتلى أعداد منهم مراكب الهجرة غير الشرعية وتحتضن البحار أجسادهم بعد أن تكون قد فارقت الحياة فى رحلتهم للبحث عن الحياة بعد أن لفظهم الوطن. فقد أدى هذا (النظام) بلا شك إلى إفقار العالم, ليس الفقر المادي فحسب, ولكنه الفقر السياسى والفكرى … حيث قام باقتسام البلاد ونهب ثروات الشعوب (وكمثال فقد أشرنا وتحدثنا فى مقال سابق عن حرب الأفيون الأولى والثانية التى قادها هذا النظام العنصرى الإستعمارى وحقق من ورائها مكاسب اقتصادية وثروات ضخمة), إنه نظلم غاب عنه المعنى السياسى, حيث أنهى عصر الأفكار وبدأ التكريس لعصر الصراعات الذى حلت فيه الأصوليات الدينية مكان التيارات الفكرية. وفى تلك السياق جرت الإنتخابات الأمريكية الأخيرة, والتى فاز فيها "ترامب" تلك الشخصية المثيرة للجدل والتى تعبر عن روح الزمن، والذى على ما يبدو أنه لا يريد العولمة بمفهومها المعروف، ويؤمن فى نفس الوقت بعقيدة الواحد فى المئة على حد تعبير الكاتب "رون سوسكند " بمعنى إذا كان هناك احتمال ولو 1% فقط لأى شىء يحدث لأمريكا، فإنه يجب على أمريكا أن تفعل كل ما ينبغى لها أن تفعله كى ينزل الواحد فى المئة إلى الصفر. فهل ستتغير بعض معالم أو توجهات النظام العالمى فى ظل الحكم الترامبى؟ !.