في كل عام يشد الطلاب الرحال باحثين عن مقعد جامعي يرضي الطموح كالطيور المهاجرة ، وقد يكون مؤلما القول بأن أسراب الطيور في هجرتها أوفر حظا حين تجد مكانا ملائما لا تتزاحم فيه ولا تتعارك. طلابنا يتنقلون في بلادنا من مدينة إلى أخرى يطرقون أبواب الجامعات التي تضيق عليهم ، فبعض التخصصات صارت حلما بعيد المنال وهي على الأصح مغلقة بمتاريس العجز وضيق الأفق .. في كل عام نكتشف حجم الأزمات ونخشى فعلا هذا الانفصال الحقيقي بين التعليم العام والتعليم العالي الذي يقودنا إلى التسليم بأن السنوات 12 مهدرة الفائدة وحتى ثلاثي التمحيص ( الثانوية والقدرات والتحصيلي ) لم تسمح للتعليم العالي أن يرأف بالطلاب. هذا العام خريجو الثانوية يصطدمون بالشروط المبالغ فيها في الجامعات والكليات وكأن الذين يقصدونها تلقوا تعليما من بلد آخر لا يشفع لهم بالقبول ، المثير فعلا للسؤال أن نسب الطلاب الموزونة هذه السنة هي في معدل قريب من الأعوام السابقة فما الذي حصل هل زاد عدد الطلاب وبقيت المقاعد الجامعية على وتيرتها السابقة ! أم أن ميول الطلاب اتجهت إلى تخصصات معينة تشفع لهم مستقبلا بضمان وظيفة ، ومن يلوم هذا السعي المشروع ! لجوء الجامعات إلى تعجيز النسب لإغلاق سقف القبول هو أمر باعث على القلق الفعلي هل من المعقول إغلاق إحدى جامعات بلادنا المسار الصحي بنات على نسبة امتياز 94 وإجبار الباقيات على تغيير التخصص، عجز صريح عن استيعاب الأعداد المتقدمة المستحقة للدراسة في هذا المسار ، وأن تبرير هذا التكدس والتزاحم فقط في كليات الطب والهندسة والتمريض وأن غيرها من الأقسام لا توجد فيه أزمة هو تبرير غير مستساغ،لأنه من غير المنصف إجبار الطلاب على تغيير خططهم ورهن مستقبلهم بتخصصات أخرى لا يرغبون في دراستها . عدد جامعاتنا يقارب الثلاثين وما يتبعها من كليات في كل مدينة وأعداد خريجي الثانوية لهذا العام 350 الف طالب وطالبة وهو عدد معقول لم يكن ليشكل أزمة لو اعتبرنا أن بعض الجامعات تداركت سوء التخطيط وأحسنت التنظيم بين أقسامها ، وكذلك بقاء الحال على ما هو عليه من سنوات من غياب الإرشاد الأكاديمي للطلاب وهم في بداية المرحلة الثانوية يزيد الأمر سوءا ، وإذ كانت جامعاتنا الحكومية غير قادرة على استيعاب الرغبات المتزايدة للطلاب بسبب محدودية المباني والأقسام فإن الدعوة إلى تشجيع القطاع الخاص وفتح المجال له بات مطلبا مهما فنحن نعاني من ندرة الجامعات الأهلية في بلادنا وحتى يمكن بذلك تقليل الضغط على التعليم الحكومي ، كل ما نأمله حقيقة أن يتاح التعليم الجامعي لكل طالب وأن لا نسمع بطالب تنقل بين مدن بلاده ولم يجد مقعدا.