منذ زمن ليس بالقصير تحاول منظمات ودول بعينها الضغط على المملكة العربية السعودية في اطار مسلسل مستمر غرضه استفزازها والنيل من مقدراتها تحت لافتة حقوق الانسان، في وقت اسفرت فيه بعض تلك الدول عن وجهها القبيح، وانكشف للناس مظهرها الخارجي المنادي بالدفاع عن الحريات والمثل الانسانية العليا، بينما تضمر وراءه الشر للمملكة وشعبها الكريم، متناسية أي تلك الدول عن قصد أن دستور المملكة القائم على التشريع الالهي، قرر حقوق الانسان على نحو يفوق كل الاتجاهات الوضعية التي عرفها الفكر القانوني قديماً وحديثاً، رغم كل ذلك ما انفكت بعض المنظمات الاممية تلاحق المملكة وتتهمها من وقت لآخر بعدم احترام حقوق الانسان، وهذا ما سوف نفنده بالدلائل والبراهين في هذه المساحة. اهتمت المملكة العربية السعودية منذ نشأتها الاولي على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، بتنزيل مبدا المساواة بين الناس وتحقيق قوله صلي الله عليه وسلم: ( الناس سواسية كأسنان المشط) لا فضل لعربي على اعجمي انما الفضل بالتقوي، فاهتمت الدولة من لدن تأسيسها الاولي بتنزيل شرائع الاسلام في حدود وقواعد الحكم، وما من شيء ادل على ذلك من دستور المملكة الصادر بالأمر الملكي رقم أ (90) بتاريخ 27/8./1412ه، حين نصت المادة (أ) على أن المملكة العربية السعودية دولة عربية اسلامية ، ذات سيادة تامة، دينها الاسلام، ودستورها كتابة الله تعالي وسنة رسوله الكريم ، فضلاً عن ان دستور المملكة وضع على عاتق الملك مهمة الاشراف علي تطبيق الشريعة الاسلامية، والقيام بمهام السياسة العامة للدولة وحماية مصالح البلاد والدفاع عنها. وأولت الحكومات المتعاقبة على المملكة من لدن المؤسس الاولي رحمه الله والي يوم الناس هذا اهتمام منقطع النظير بأوضاع حقوق الانسان، بل وقد سبقت المملكة الاعلان العالمي لحقوق الانسان بما يزيد على 1380 عاما، كيف لا وهي القائمة على قوله تعالي: (( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم))، فهذه البلاد ومنذ توحيدها على يد خليفة المسلمين الإمام المغفور له برحمة الله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله مؤسس المملكة العربية السعودية، سنت القوانين المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله التي أولت جل اهتمامها بحقوق الانسان وتطبيقها لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة التي تؤكد على المبادئ والقيم السامية التي تصون كرامة الإنسان وتحمي حقوقه . واظهرت المملكة منذ عهدها الاول اهتماما ملاحظاً بحقوق الانسان، فقد اصدر المؤسس الاول رحمه الله مرسوماً ملكياً يحث فيه رعيته بالشكوى ليه حال تعرض احدهم لظلم وقع عليه، بل وخصص رحمه الله خطوطاً مجانية بالبرير والبرق تتلقي الشكاوي من المواطنين، بل ولم يتوقف الامر عند هذا الحد فقد خاطب رحمه الله موظفي البرير والبرق قائلاً" عليكم بتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي أو أحفادي أو أهل بيتي" وزاد ،" وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه مهما تكن قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفف من لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب الشديد" حدد النظام الاساسي لحكم المملكة العربية السعودية نقاط اساسية تهدف الى حماية وتعزيز حقوق الانسان، تمثل تلكم النقاط المبادئ والاحكام الاطار القانوني للحقوق الانسان، فقد نصت المادة المادة (26) من النظام الأساسي للحكم على أن: "تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية" وعززت الدولة اجراءاتها في مجال احترام وحماية حقوق الانسان وشرعت في سبيل تحقيق هذه الغاية العديد من القوانين ووضعت الكثير من الانظمة في مقدمتها، نظام القضاء هذه الذي يتضمن عدداً من النصوص التى تسعي الي تعزيز وحماية حقوق الانسان، سبق ذلك كله اعلان استقلالية القضاء، وحرية القضاة، حيث لا حد سلطان عليهم في قضائهم بغير احكام الشريعة الاسلامية ، كما انه ليس لا حد التدخل في القضاء كما تضمن فى المادة ( التاسعة) تريباً لكافة المحاكم، وفي مجال المساواة أمام القضاء فقد نصت المادة (47) على أن: "حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة.."، وباعتبار أن الحق في الأمن هو اللبنة الأساسية لجميع حقوق الإنسان، وأن إعماله لا ينبغي أن يؤثر على الحق في الحرية، فقد نص النظام بشكلٍ قاطع في مادته (36) على أن: "تُوفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه، إلا بموجب أحكام النظام"، وبالنسبة للملكية الخاصة والحرية الشخصية فقد نصت المادة (18) على أن: "تكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا يُنزع من أحدٍ ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يُعوض المالك تعويضًا عادلًا"، كما نصت المادة (37) على أن: "للمساكن حرمتها ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها النظام"، كما نصت المادة (40) على أن: " المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مَصُونة، ولا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الاطلاع عليها أو الاستماع إليها إلا في الحالات التي يبينها النظام"، وفي مجال الضمان الاجتماعي وأولت الدولة كذلك اهتماماً بنظام المرافعات الشرعية، اذ يضم النظام عدداً من الأحكام التي تنظم آلية نظر الدعاوى القضائية والحقوق المقررة لأطرافها، وقد روعي في تلك الأحكام الحفاظ على تعزيز وحماية حقوق الإنسان في التعامل مع من يتم محاكمتهم من المتهمين، وذلك لتحديد صلاحيات القاضي خلال مرحلة المحاكمة وآلية التعامل مع الشهود والخبراء والمراحل اللازمة لنظر الدعاوى القضائية، هذا بخلاف نظام الإجراءات الجزائية، هذا النظام الذي يقرر كل الحقوق الواجب التقيد بها ومراعاتها عند التعامل مع الأشخاص الذين يتم القبض عليهم والتحقيق معهم، حيث روعي في كل نصوص هذا النظام مبادئ حقوق الإنسان في التعامل مع الأشخاص وضمان حصولهم على محاكمة عادلة ابتداء من أول إجراء في القبض على المتهم وخلال مراحل التحقيق معه وصولًا إلى مرحلة الادعاء العام أمام الجهة القضائية المختصة. كما اولت المملكة اهتمام منقطع النظير بنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، كواحده من الانظمة التى تهدف الي تعزيز العمل الاهلي وتنظيمه وحمايته، والإسهام في التنمية الوطنية، وتعزيز مشاركة المواطن في إدارة المجتمع وتطويره، وتفعيل ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع، وتحقيق التكافل الاجتماعي، هذا بخلاف اهتمام المملكة بنظام الحماية من الإيذاء، لكون هذا النظام يمثل احد الأطر الوطنية المهمة للتصدي لأشكال الإيذاء المختلفة التي قد تواجه عددًا من فئات المجتمع، لضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه، وتقديم المساعدة والمعالجة، والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية لضحاياه، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لمساءلة المتسبب ومعاقبته، ونشر التوعية بين أفراد المجتمع حول مفهوم الإيذاء والآثار المترتبة عليه، ومعالجة الظواهر السلوكية في المجتمع. ولعل من ابرز الانظمة الى اولتها الدولة عظيم اهتمامها نظام حماية الطفل، اذ يؤسس هذا النظام لمنظومة حماية لكل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، تهدف إلى مواجهة الإيذاء " بكافة صوره " والإهمال الذي قد يتعرض لهما الطفل في البيئة المحيطة به، مؤكدًا في ذلك على حقوق الطفل التي قررتها الشريعة الإسلامية وقررتها الأنظمة والاتفاقيات الدولية التي أصبحت المملكة طرفًا فيها، وينص النظام على اعتبار عدد من الأفعال بمثابة إيذاء أو إهمال بحق الطفل ومن بينها التسبب في انقطاع تعليمه، وسوء معاملته، والتحرش به أو تعريضه للاستغلال، واستخدام الكلمات المسيئة التي تحط من كرامته، والتمييز ضده لأي سبب عرقي أو اجتماعي أو اقتصادي. ويحظر النظام في الوقت نفسه إنتاج ونشر وعرض وتداول وحيازة أي مُصنَّف موجه للطفل يخاطب غريزته أو يثيرها بما يُزيّن له سلوكًا مخالفًا للشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب العامة كما لم يفت حكومة المملكة تعزيز وحماية حقوق المعوقين، وقد تضمن النظام المشرع لهذا القرض أحكامًا تحمي وتعزز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد عرف النظام كلًا من الشخص المعوق والإعاقة، ولم يكتفِ بالنص على الجانب العلاجي، بل تجاوزه إلى الجانب الوقائي. لم تدخر المملكة جهداً في تعزيز حرية الراي وحماية الحريات، فجاء نظام المطبوعات والنشر، ليحمي حرية الرأي والتعبير وفي ذات الوقت يعزز مبدأ التقييد النظامي لحرية التعبير المنسجم مع المعايير الدولية ذات الصلة، وذلك لتوفير الحماية لحقوق الغير بما يضمن عدم التعدي عليهم، وقد تم تعديل هذا النظام مؤخرًا بما يحقق تطوير أحكامه ولم تالو المملكة جهداً في مجال تجريم ظاهرة الاتجار بالأشخاص وملاحقة مرتكبيها، وفى سبيل تعزيز هذه الغاية صدر مرسوم ملكي بالرقم (40) بتاريخ 21/07/1430ه الموافق 14/07/2009م، اذ جاء النظام متسقًا مع المعايير الدولية والإقليمية لمكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص، وقد حظر النظام جميع أشكال المتاجرة بالأشخاص الموصوفة في بروتوكول منع ومعاقبة الإتجار بالبشر، وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (بروتوكول باليرمو)، وأضاف أشكالًا أخرى لم يتضمنها البروتوكول، وهي: إجراء التجارب الطبية، والتسوَّل، وحدّد النظام الأوصاف الجرمية لمختلف أشكال الإتجار بالأشخاص، وكذلك العقوبات التي تصل إلى السجن (15) سنة، وغرامة مالية تصل إلى (مليون ريال)، والتي تُشدد في حالات معينة تكون فيها الضحية امرأة أو طفلًا، كما أكدّ هذا النظام على مبدأ عدم الاعتداد برضا المجني عليه في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام ولعل ما يعزز ريادة المملكة وتقدمها في مجال حقوق الانسان اهتمامها بحماية حقوق العمالة الوافدة، حيث تصنف المملكة الأعلى في المنطقة استقبالاً للعمالة الأجنبية، ولا جل ذلك افردت المملكة العديد من اللوائح والقوانين التى تنظم العلاقة بين صاحب العمل وعامل الخدمة المنزلية من خلال إيضاح حقوق والتزامات طرفي العلاقة، ومن أهم ما تضمنته أنها ألزمتْ صاحب العمل بعدم تكليف عامل الخدمة المنزلية بعملٍ غير المُتفق عليه في العقد أو بعملٍ فيه خطرٌ يهدد صحته، أو يَمُس كرامته أو بالعمل لدى الغير، كما ألزمت صاحب العمل بأنْ يدفع للعامل الأجر المُتفق عليه نهاية كل شهر دون تأخير مع توثيق استلام العامل لأجره الشهري كتابيًا، إضافة إلى وجوب توفير السكن المناسب لعامل الخدمة المنزلية، وتمكينه من التمتع براحةٍ يومية لمدة لا تقل عن تسع ساعات يوميًا، وإجازة أسبوعية بحسب ما يتفق عليه الطرفان، وكذلك أحقيته – في حال المرض- في الحصول على إجازة مرضية مدفوعة الأجر، والحصول على إجازة لمدة شهر مدفوعة الأجر في حال إكماله مدة سنتين في العمل لدى صاحب العمل، واستحقاقه لمكافأة نهاية خدمة بعد انتهاء العقد في حال إكماله مدة أربع سنوات عمل لدى صاحب العمل. كما تضَمَنتْ مواد اللائحة أحكامًا تلزم عامل الخدمة المنزلية باحترام تعاليم الدين الإسلامي، والأنظمة المعمول بها في المملكة وثقافة المجتمع السعودي، والتزامه أيضًا بأداءِ العملِ وفق ما هو متفق عليه في عقد العمل المبرم مع صاحب العمل، كما اشتملت على عددٍ من العقوبات التي تطبق على كل من يخالف الأحكام الواردة فيها، سواء أكان صاحب العمل أو عامل الخدمة المنزلية.