في كل مجتمع إنساني تتباين الآراء وتختلف وجهات النظر، وفي المجتمعات الأكثر تعلماً ومعرفة تعتبر مثل هذه الظاهرة مؤشراً صحياً وسليماً؛ لأنه دليل على حراك فكري ومعرفي يطول كل مفاصل وزوايا المجتمع. التجربة الإنسانية أثبتت منذ حقب زمنية غابرة وحتى اليوم أن الإنسان كلما شعر أنه يشارك ويتعاطى مع قضاياه وهمومه، كان هناك ارتفاع أكبر في الوعي وفي التطبيق، وهو ما يرتد إيجابياً على سلامة المجتمع ككل. إذاً، المشاركة في الرأي بل والتعبير عن هذا الرأي باحترام وحفظ حقوق الآخرين الذين يشاركونك هذا الوطن، وتفهم رأي الآخرين بل وحماسهم لهذا الموضوع أو ذاك، يعتبر أيضاً دليلاً على عمق الوعي الإنساني. مع الأسف، الذي يحدث في عالمنا العربي هو معركة كلامية حادة تلقى فيها الشتائم والتهم والتخوين والتكفير، وغيرها الكثير من المفردات التي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي ك"فيسبوك" و"تويتر" وغيرها، فضلاً عن التعليقات التي يتم نشرها على عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية. والموضوع مثار كل هذا التطاحن لا يستحق كل هذا التشنج والعصبية. وهناك جانب آخر في هذه المعضلة، وهي أننا نشاهد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أنه لا يعطى الذي يتحدث أو يكتب ما يستحق من التقدير والاحترام لعلمه أو لكبر سنه أو لتميزه ونبوغه في مجال علمي ما، فتجد أحدهم يتحدث نحوه بهمجية ودون مبالاة، وفي أحيان بقسوة ورفع صوت وبغمز ولمز في الكلمات؛ وفي هذا السياق أستحضدر ما حدث للمؤلف والكاتب الشهير جورج برنارد شو، الذي حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1925م، حيث قال له كاتب: "أنا أفضل منك، فأنت تكتب وتبحث عن المال، وأنا أكتب عن الشرف". فقال له برنارد شون: "صحيح، كل منا يبحث عما ينقصه". وسرعة البديهة والرد السريع القاطع تعبر عن وجع وألم، وأيضاً عن عدم احترام لمن هو أكثر علماً ومعرفة؛ ولعل قصة الشاعر بشار بن برد، وقد كان كفيفاً، توضح بشكل أكبر الذي أريد الوصول له، حيث كان جالساً مع رفاقه، فجاءه رجل وسأله قائلاً: "ما أعمى الله رجلاً إلا عوضه؛ فما الذي عوضك به الله"؟ فقال له بشار بن بردة: "بألا أرى أمثالك". والذي نريد الوصول له أنه لا بأس بالسؤال، ولا بأس من محاولة التعلم بل والاختلاف والنقاش، ولكن باحترام وتقدير للجميع.