جدة- البلاد تحظى المملكة العربية السعودية باهتمام عالمي عام واهتمام أمريكي خاص، نتيجة مكانتها السياسية والإسلامية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي،وأنها إحدى مرتكزات الأمن الاستراتيجي في المنطقة العربية. وقد زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز،حفظه الله، الولاياتالمتحدةالأمريكية في سبتمبر 2015م بدعوة من الرئيس باراك أوباما لتعزيز ما أثمرت عنه ثمانية عقود من الزمن من تطابق في وجهات النظر السعودية الأمريكية تجاه دعم العلاقات الثنائية بين البلدين، وتحقيق المصالح المشتركة بينهما، علاوة على معالجة العديد من الملفات الإقليمية والدولية وتجئ الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لأمريكا في ذات الإطار والتميز في علاقات البلدين. علاقات المملكة الدولية: تحرص المملكة العربية السعودية في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى والتي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت كانعكاس لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، والتي سعت من خلالهما إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي، لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات. وتعتز المملكة العربية السعودية بكونها أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأممالمتحدة في عام 1945م، إنطلاقاً من إيمان المملكة العميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، فهي تدعو باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية والإقتصادية والاجتماعية وغيرها باعتبارها السبيل الوحيد إلى الإزدهار والرخاء والاستقرار في العالم، ومن ثم فإنها لا تؤمن باستخدام القوة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، ولكنها تؤمن في ذات الوقت بحق الدفاع المشروع عن النفس وذلك كقاعدة من قواعد القانون الدولي. وإيماناً من المملكة العربية السعودية بأهمية الدور الذي تلعبه هيئة الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة والمنظمات الدولية عموماً في سبيل رقي وإزدهار المجتمع الدولي في كافة المجالات وفي مقدمتها الأمن والسلم الدوليين، فقد انضمت المملكة إلى كل هذه المنظمات وحرصت على دعم هذه المنظومة الدولية بكل الوسائل والسبل المادية والمعنوية والمشاركة الفاعلة في أنشطتها. ويمكن القول أن السياسة الخارجية السعودية في المجال الدولي تستند على أسس ومبادئ مستقرة وواضحة ومنها:حرص المملكة على التفاعل مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بميثاق الأممالمتحدة والمعاهدات والإتفاقيات الدولية المنضمة إليها وقواعد القانون الدولي التي تحدد إطار السلوك العام للدول والمجتمعات المتحضرة – التزام المملكة بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجب العنف وجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم – الحرص على استقرار أسواق النفط العالمية، والسعي لتنمية التجارة الدولية على أسس عادلة ومن خلال أسس اقتصاديات السوق الحر- صبغ السياسة الخارجية السعودية بصبغة أخلاقية من خلال تبنيها لمبدأ مساندة ضحايا الكوارث الطبيعية والمشردين واللاجئين في العديد من دول العالم. ويمكن إيجاز الثوابت والمبادئ الأساسية للسياسة الخارجية السعودية عموماً فيما يلي:الإنسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء باعتبارها دستوراً للمملكة العربية السعودية -إحترام مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ورفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية – العمل من أجل السلام والعدل الدوليين، ورفض استخدام القوة والعنف وأي ممارسات تهدد السلام العالمي أو تؤدي إلى تكريس الظلم والطغيان – إدانة ورفض الإرهاب العالمي بكافة أشكاله وأساليبه، والتأكيد على براءة الإسلام من كل الممارسات الإرهابية – الإلتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية والثنائية وإحترامها سواء كان ذلك في إطار المنظمات الدولية أو خارجها – الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية من خلال الدعم المتواصل بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية والإقتصادية – عدم الإنحياز ونبذ المحاور والأحلاف التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، مع احترام حق الشعوب في تقرير المصير وحقوقها المشروعة في الدفاع عن النفس. وتطبيق سياسة متزنة ومتوازنة في مجال إنتاج وتسويق النفط، نظراً للثقل الذي تمثله المملكة كأحد أكبر المنتجين وصاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم. العلاقات السعودية الأمريكية: يعود تاريخ العلاقات السعودية – الأمريكية إلى عام 1931 حيث بدأت المفاوضات لتوقيع اتفاقية التعاون بين البلدين والتي استمرت لمدة عامين قبل التوقيع النهائي الذي تم في عام 1933، وجاء ذلك انطلاقًا من سياسة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود،طيب الله ثراه، القائمة على استقلالية القرار والبحث عن العلاقة التي تحقق مصالح البلاد والتي استطاع من خلالها تحقيق العديد من النجاحات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاستراتيجي على مدار 21 عامًا فترة توليه الحكم من عام 1932 حتى 1953م. ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية حتى الآن حملت كل مرحلة تاريخاً مميزاً للعلاقات الخارجية على كافة الأصعدة مع الولاياتالمتحدة. ففي عهد الملك عبدالعزيز بدأت العلاقات الاقتصادية السعودية – الأمريكية عام 1931 حينما منح الملك عبدالعزيز حق التنقيب عن النفط في المملكة إلى شركة أمريكية، وتُؤرَّخ أول زيارة قام بها وفد سعودي رفيع المستوى إلى الولاياتالمتحدة بعام 1943، عندما أرسل الملك عبدالعزيز نجليه الأمير فيصل والأمير خالد لبحث مستقبل العلاقات الثنائية، ثم عززت العلاقات بلقاء الملك عبد العزيز بالرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945م. وفي عام 1953 تولى الملك سعود ،رحمه الله، الحكم حتى عام 1964. وقام الملك سعود بزيارة الولاياتالمتحدة عام 1962، واجتمع مع الرئيس جون كينيدي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتلبية حاجة المملكة الأمنية.وفي عام 1964 بدأت فترة حكم الملك فيصل واستمرت لمدة 11 عاما؛ تضمنت هذه الفترة مشاريع تنموية، حيث التقى الملك فيصل الرئيس لندون جونسون عام 1966، وبحث معه تأسيس شراكة سعودية – أمريكية لتنفيذ مشاريع التنمية في المملكة، وفي عام 1971 التقى الملك فيصل الرئيس ريتشارد نيكسون في واشنطن، وتأسست بعدها لجنة الاقتصاد السعودية الأمريكية المشتركة. مشروع كارتر للسلام: وتولى الملك خالد بن عبدالعزيز،رحمه الله، الحكم عام 1975، وكانت أول زيارة رسمية له لأمريكا في أكتوبر 1978، والتي ترتب عليها زيارة الرئيس جيمي كارتر للرياض في نفس العام، واجتمع مع الملك خالد وبحثا – إلى جانب العلاقات الثنائية – ما عُرِفَ بمشروع كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب وإسرائيل، وبعدها استقبلت الولاياتالمتحدة زيارات رسمية لعددٍ من الأمراء. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ،رحمه الله، الذي استمرت مدة حكمه 23 عاماً من 1982 حتى عام 2005م زار الولاياتالمتحدة، والتقى الرئيس رونالد ريجان بواشنطن في عام 1985، والتي ترتب عليها 3 زيارات قام بها الرئيس جورج بوش (الأب) في الفترة ما بين عام 1990 حتى عام 1992، وفي كل هذه الزيارات كان الملك فهد على رأس مستقبليه، وفي عام 1994 زار الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون المملكة، والتقى الملك فهد وبحثا العلاقات بين البلدين. وفي فترة حكم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ،رحمه الله، والتي استمرت 10 سنوات منذ عام 2005 حتى 2015م تطورت الأحداث في المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل متسارع، والتقى الملك عبدالله بن عبد العزيز كلينتون عام 1998 خلال زيارةٍ لأمريكا في إطار جولة عالمية شَمِلَت 7 دول حينما كان ولياً للعهد، وسبق ذلك لقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، منها اجتماع الملك فهد والأمير عبدالله، آنذاك، بنائب الرئيس الأمريكي آل غور، عندما زار المملكة. وحين كان الملك عبد الله ولياً للعهد تكررت زيارته لأمريكا خلال الفترة من 1987 حتى توليه الحكم عام 2005م. حوار الأديان: قام الملك عبدالله بن عبد العزيز بزيارة إلى الولاياتالمتحدة في إبريل 2005، تم خلالها إبرام عدد من الاتفاقيات العلمية وقّعها مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، لتفتح آفاقاً واسعة في علاقات البلدين. وفي عام 2008، زار بوش الابن المملكة مرتين في شهري يناير ومايو، والتقى خلالهما الملك عبدالله، وبحثا تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات. وفي نوفمبر من العام نفسه، استقبل الملك عبدالله في مقر إقامته بمدينة نيويورك الرئيس بوش، الذي ثمَّن آنذاك مبادرة الملك عبدالله بالدعوة إلى اجتماع حوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات في مقر منظمة الأممالمتحدة، معتبراً انعقاد الاجتماع في مقر المنظمة تكريماً لدور الملك عبدالله في تعميم ثقافة السلام والتقارب بين أتباع الأديان. وفي ال15 من الشهر نفسه؛ شارك الملك في اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية في واشنطن، وكان في استقباله لدى وصوله مقر الاجتماع الرئيس بوش، كما زار الملك الولاياتالمتحدة في صيف 2010م. أوباما في المملكة: الرئيس الأمريكي باراك أوباما زار المملكة في يونيو 2009م واشتملت المباحثات التي أجراها مع الملك عبدالله على أزمة الشرق الأوسط والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها. وتوفي الملك عبدالله في يناير 2015، و هو الحدث الذي وصفه نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن بالخسارة الكبرى للسعودية، وقال: "كنت دائماً معجباً بصراحته وتقديره للتاريخ وفخره بجهوده في تحقيق التقدم لبلاده وإيمانه العميق بالعلاقة بين السعودية والولاياتالمتحدة". النووي الإيراني: تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حكم المملكة في 3 ربيع الثاني 1436 ه الموافق 23 يناير 2015م وشهد ويشهد عهده تطورات عدة في ملفات العلاقات السعودية الأمريكية منها الملف النووي الإيراني والوضع في اليمن ومصر والملف السوري ومكافحة الإرهاب واستطاعت المملكة خلال الفترة الأخيرة إثبات ذاتيتها في الاعتماد على قدراتها وبناء تحالفات قوية ومنفتحة. ويستكمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ما أسسه والده الملك عبدالعزيز من فكر استراتيجي حكيم يسهم في تعميق علاقات المملكة مع دول العالم ومنها الولاياتالمتحدة، ويحقّق التكامل في المصالح الداخلية والخارجية للبلدين دون المساس بثوابت وقيم المملكة العربية السعودية التي تقوم على مبادئ وأسس الشريعة الإسلامية. وقد زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الولاياتالمتحدةالأمريكية في سبتمبر 2015م بدعوة من الرئيس باراك أوباما لتعزيز ما أثمرت عنه ثمانية عقود من الزمن من تطابق في وجهات النظر السعودية الأمريكية تجاه دعم العلاقات الثنائية بين البلدين، وتحقيق المصالح المشتركة بينهما، علاوة على معالجة العديد من الملفات الإقليمية والدولية.