الحق سبحانه وتعالى قال: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا"، فالحق سبحانه لم يقل: إنا أمرنا تلك المخلوقات الضخام لحمل الأمانة"، ولو كان العرض أمراً من الخالق سبحانه لأذعنت وخضعت لأمر الخالق جل جلاله، وحين أبت تلك المخلوقات العظيمة عن قبول العرض ما دام في ذلك خيار فقط، فكان جواب تلك المخلوقات العظيمة الإباء! أما الإنسان فقبلها من خلال عرض الحق جل جلاله.. ووصفه الله في الكتاب العزيز بأنه جهول لفداحة الأمانة وظلوم لنفسه، وجهول للمسؤوليات التي لا حدود لها! رحب الإنسان الضعيف الجهول بمسؤولية ما عرضه عليه ربه جل جلاله، غير أن الإنسان الظالم لنفسه الجهول قبل ضخامة هذه المسؤولية وتحمل أثقالها! والنتائج كانت ذلك الإخفاق البيّن الذي لا حدود له! والعجيب أن الكثرة من الناس لا تعبأ بفداحة التفريط الذي لا حصر له: بينما الكثير من خلق الله من غير المسلمين أخذوا حسناتنا وأخذنا مساوئهم" كما قال الشيخ محمد عبده من مصر حين زار بريطانيا أيام حكمها لبلاده، وذلك حين عاد من زيارته تلك لبلاد الانجليز وجاءه الصحافيون حين عودته، يريدون أي الصحافيون ما رأي وما سمع، فرد على سائليه بتلك الجملتين المختصرتين في أربع كلمات تحمل مجمل الردود على أسئلة كانت في أذهان أولئك القوم! والعرب المسلمون الذين منّ الله عليهم بكتابه العزيز المحفوظ الباقي ما بقيت الحياة وأحاديث خاتم رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للأمة المسلمة: تركت فيكم ما إن تمسكتم به: كتاب الله وسنتي" إن هذين المرجعين الساميين فيهما كل العدل والقيم والرشاد، وأن التمسك بهذين النصين الساميين فيهما خيري الدنيا والآخرة، غير أن الكثير من أمة الإسلام فرطت في الكتاب والسنة وانشغلوا بالدنيا كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولمن جاء ويجئ بعدهم إلى ما شاء الله وأن تتمسك هذه الأمة بهذين الدستورين اللذين فيهما خيرا الأولى والآخرة! ونحن اليوم في زمن شغلنا بالدنيا وحدها، شغلنا ونحن نسعى ليل نهار وراء حطام الدنيا! وكما جاء في الكتاب العزيز بقول القائلين: شغلتنا أموالنا وأهلونا"، نحن اليوم كما قرأت في مصدر فيه إعلان مخيف لمن ألقى السمع وهو شهيد"، قرأت كلمات تهز الجبال بله الإنسان وحواسه:" الناس نيام فإذا ما توا استيقظوا"، فيا حسرة على التفريط الذي يؤول بالإنسان إلى مر الرحيل من دار الدنيا التي ستتحول إلى حساب وعقاب بعد الرحيل الذي لا مفر منه! ولعل مرد هذا الحديث ما قرأت في صحفنا أن فريقاً من قومنا يفرطون في الأمانة، في غيابهم عن وظائفهم بالمئات وربما أكثر من هذا العدد وهم يتقاضون أجورهم كاملة ولكن لا يأبهون بتفريطهم في أداء واجباتهم في أعمالهم! وهم حراص على الوظائف الحكومية مفضلة عن سواها لأن في هذه الوظائف الأبواب مفتحة، أما الوظائف في القطاع الخاص فعسر عنهم لأن فيها التزاما وهم يريدون الأجر بدون جهد وعمل ولا يأبهون بشئ اسمه واجب وأمانة، نسوا وتناسوا! ونسمع أن بعض موظفي الحكومة يحضرون بعض الوقت ثم يعودون إلى بيوتهم، وقبل انتهاء دوام العمل يعودون إلى إداراتهم "ليوقعوا" ثم يرجعون إلى ديارهم سالمين غانمين بالباطل، ظالمين لأنفسهم ويتقاضون مالا حراماً عراماً، ساء ما يعملون! والله أرجو في علاه أن يهدي المقصر في واجباته ويلهمه رشده ليعود إلى صوابه ويؤدى واجباته التي يتقاضى أجورها ويعلن ندمه على ما فرط ويستغفر ربه ويؤدى لقاء تقصيره بان يعمل ما يسد تقصيره ويعود إلى خالقه تائباً نادماً مستغفراً ، والله الهادي إلى سواء السبيل.