واصلت جمهورية إيران الإسلامية تجاهلها للاتفاقيات والأنظمة الدولية التي تؤكد احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها من خلال سماحها لمئات المتجمهرين الاعتداء على مقر البعثة الدبلوماسية للمملكة في مدينتي "طهران" و"مشهد" الإيرانيتين، ونهب ممتلكاتها وإضرام النيران في أجزاء منها أمام مرأى ومسمع أجهزة الأمن التي لم تتدخل لإيقاف هذه التصرفات الخارجة عن حدود الأخلاق الإسلامية والأعراف الدبلوماسيّة. ولم يكن قرار المملكة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ردة فعل بينية فقط بل هو إجراء دبلوماسي اتخذته دفاعًا عن حقها وسيادتها بوصف البعثة الدبلوماسية كما نصت عليه بنود اتفاقية فيينا التي وقعت عام 1963م للحقوق الدبلوماسية امتدادًا لسيادة الدولة. وتعليقًا على هذا القرار السياسي الحكيم، استطلعت "واس" آراء عدد من المتخصصين في المجال السياسي في المملكة، تقدمهم أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود والكاتب السياسي الدكتور علي بن دبكل العنزي الذي قال : إن اعتداء إيران على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران والسماح للمتجمهرين بالدخول إليها ونهب ممتلكاتها وإضرام النيران فيها، يعد مخالفة صريحة للقوانين الدولية والاتفاقيات التي تنص على ذلك، مثل المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الصادرة سنة 1961م التي تؤكد أن مبانِ البعثات الدبلوماسيّة تتمتع بالحرمة"، و" ليس لممثلي الحكومة المعتمدة لديها السفارة الحق في دخول مبنى البعثة الدبلوماسيّة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة". وأضاف أن نص الاتفاقية يقول : " على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ جميع الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها"، وأنه " لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل, عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي"، مؤكدا أن تصرفات الحكومة الإيرانية تبين مخالفتها بتعمد واضح لهذه الاتفاقية وعدم احترامها لأي أنظمة دولية متفق عليها. وأشار الدكتور العنزي إلى أن المملكة اتخذت القرار الدبلوماسي الصحيح الرامي لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد مسيرة طويلة من المعاملة الدبلوماسية التي تنم عن احترامها للجار والسيادة الدولية، في حين كانت إيران تواصل بطرق مباشرة وغير مباشرة تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، وتدعم مواطن الإرهاب في المنطقة فضلا عن دعمها للإرهاب نفسه من خلال استضافتها لقيادات من القاعدة المصنفة في قائمة الإرهاب دولياً، إلى جانب تأجيج الشعوب على قادتها من أجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة. ولفت النظر إلى أن المملكة العربية السعودية تعاملت مع الملف الإيراني من منطلق دبلوماسي حصيف للدفاع عن سيادتها ومنع التدخل الإيراني في شؤونها المحلية، والشؤون الخليجية والعربية مثلما فعلت في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، بوصف المملكة عضوا في جامعة الدول العربية التي نص أحد بنود تأسيسها على أهمية حماية سيادة الدول الأعضاء وتأمين استقرارها. وشدّد على أن المملكة ومنذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – ما برحت تؤكد احترامها لمبدأ حسن الجوار، والقوانين الدولية التي تدعم ذلك الجانب، ولم تدخر وسعًا بغية تحسين علاقاتها مع إيران لكن الجانب الإيراني كان يقابل ذلك بالتعنت والاستمرار في زعزعة المنطقة بكل الوسائل من خلال النفاذ للجسد العربي عبر دول مجلس التعاون الخليجي، فما كان من المملكة إلا وقف هذه التصرفات الرعناء والتحذير منها، وكشف مآرب المشروع الإيراني الخطيرة أمام المجتمع الدولي. وبين أن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بإطلاق عاصفة الحزم وإنشاء قيادة عسكرية للتحالف العربي بقيادة المملكة في اليمن كان الخطوة الفعلية لوقف خطط المشروع الإيراني التوسعية للدخول للمملكة عن طريق أعوانهم من ميليشيات الحوثي المتطرفة، ونالت المملكة دعما دوليا منقطع النظير في موقفها السياسي، وصدر قرار أممي يدعم موقفها مما كان له الأثر الكبير والقوي في بعثرة المشروع الإيراني في المنطقة وانعكست آثاره على المنطقة العربية بكاملها، فعادت الآن تلوح بشعار العدالة من خلال تدخلها في الشأن السعودي الداخلي ونسيت ماتقوم به هي في الداخل من انتهاكات وتعديات ضد شعبها والدول التي تستضيف دبلوماسييها على أراضيها كما فعلت مع سفارة المملكة ضاربة بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية، ما دعا المملكة لقطع علاقاتها الدبلوماسية معه، وهي رسالة واضحة للإيرانيين بأن المملكة لن تتساهل بمن يعتدي على مصالحها وسيادتها ومصالح أشقائها العرب. أما أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود الدكتور سرحان بن دبيل العتيبي، فقد أوضح أن إيران باعتدائها على مقر البعثة الدبلوماسية للمملكة ضربت بعرض الحائط بنود القوانين الدولية التي تحكمها ما ورد في اتفاقياتي فيينا الأولى الموقعة عام 1961م وتنص على احترام استقلال الدول، والثانية الموقعة عام 1963م التي تحدّد الحقوق والواجبات في السلم والحرب، وأثناء توتر العلاقات. وأكد أن ما قامت به إيران هو تعريف إجرائي للإرهاب ويقرّه العرف الدبلوماسي " الإرهاب الدولي " حيث سمحت الحكومة الإيرانية للمتجمهرين اقتحام مقر بعثة المملكة في مدينتي "طهران" و"مشهد" عنوة بدون وجه حق، ومنحتهم الغطاء الأمني لاخترق مقرّها وإحراق أجزاء منه، وهي عملية غير أخلاقية وإجرامية وغير دبلوماسية تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ارتكبتها إيران مثل: دعم تنظيمات الإرهابية وإنشائها، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإحداث البلبلة فيها من خلال دعم عناصر وأحزاب موالية لها من أجل تحقيق مآربها في الاستيلاء على المنطقة ونشر فكرها الإرهابي. ودعا الدكتور سرحان العتيبي المجتمع الدولي إلى القيام بدوره لوقف مثل هذه التصرفات الإجرامية لكي لاينتشر وبالها في العالم لأن إيران ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنها دولة مثيرة للعنف والشغب، ولابد من إيقاف جرائمها المتتالية بتطبيق قرارات دولية حازمة ضدها. ومن جهته أوضح رئيس المركز الإعلامي والدراسات العربية والروسية الدكتور ماجد بن عبدالعزيز التركي، أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع إيران قرار سياسي منطقي له تداعياته ومبرراته الحالية. وقال الدكتور العتيبي : إن التداعيات تتمثل في ارتكاب إيران السلوك العدائي في المنطقة، وزعزعة استقرارها من خلال تعاطيها مع الملفات العربية مثل : احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، والتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وسوريا، والعرق، واليمن، بالإضافة إلى المهاترات والحملات المغرضة التي تشنها ضد المملكة بدون وجه حق، والخارجة عن الأعراف والأنظمة الدولية. وأضاف الدكتور العتيبي أن إخلال إيران بالأنظمة الدولية ليس بجديد، فعلى سبيل المثال لم تستطع في الماضي أن توفر الحماية الأمنية للبعثات الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية، وسمحت للمتجمهرين الاعتداء على هذين المقرين الدبلوماسيين، وأعادت نفس المشهد مع البعثة الدبلوماسية للمملكة، فإذا كانت إيران عاجزة عن ضبط أمنها الداخلي فكيف يتم التعاطي معها دوليا كدولة منظمة. وأهاب الدكتور التركي بالأمم المتحدة إلى التدخل ووقف التجاوزات الإيرانية الإقليمية خاصة ضد جيرانها من دول الخليج العربي، والقيام بتحرك خليجي عربي لكشف مخططات إيران الإجرامية في العالم العربي والإسلامي الذي عانى من تدخلاتها، والتوضيح للمجتمع الدولي بأن إيران ليست الدولة التي يُؤمن العمل معها لأنها لا تلتزم بالقوانين الدولية، مشددًا على أن التهديدات الإيرانية التي تطلقها يجب أن لا تحدد مسار العمل السياسي معها إقليميًا ودوليًا. بدوره وصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور سعود بن محمد العتيبي، قرار المملكة بقطع علاقاتها مع إيران بالتصرف السياسي الحكيم الذي يكفله لها القانون الدولي عندما تم الاعتداء على سيادتها من خلال الاعتداء على بعثتها الدبلوماسية في مدينتي "طهران" و" مشهد"، حماية مصالحها الدولية. وأفاد الدكتور سعود العتيبي : إن قرار المملكة ينم كذلك عن حكمة سياسية عقلانية اتبعتها مع إيران الجارة التي نكثت العهود الدولية ولم تحترم الجيرة، حيث اتجهت المملكة إلى الطرق الدبلوماسية في تعاطيها مع حدث الهيجان الإيراني ضدها منذ الساعات الأولى لتهديدات الاعتداء إلى وقت تنفيذ الجريمة على مقر البعثة، بغية أن تعي إيران موقفها وتعيد حساباتها في التعامل مع المملكة، لكن الأخيرة أبت إلا أن تتخذ التصعيد العدائي لها كما هو ديدنها على مر التاريخ. وأكد أن المملكة العربية السعودية دولة ذات سيادة ومن واجبها كبقية دول العالم حماية الأمن والوطن في الداخل أو الخارج، وهذا معروف في حقل العمل السياسي، وبالتالي تصديها لأي تهديد في ذلك الجانب هو من أولويات عملها، لكن المملكة بوصفها قلب العالم الإسلامي فضلت عدم تطوير الأحدث مع إيران لعل إيران تراجع نفسها من خلال قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، لكنها في الوقت ذاته لن تتردد أبدا في الدفاع عن سيادتها. وبين أن إيران دولة إرهاب لأنها دعمت منظمات إرهابية ارتكبت جرائم خارجة عن القانون الدولي، وشاركت في ارتكاب جرائم غير إنسانية في دول أخرى، وهذه ثقافة إيران المعروفة بعدم احترام المواثيق الدولية، والاعتداء على السفارات بدون الأخذ بعين الاعتبار القانون الدولي ناهيك عن الأخوة الإسلامية. وقال أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود محمد بن أنور الجبرتي : إن تدخل إيران في شؤون الغير هو شريعة تتبعها انطلاقا مما ورد في الدستور الإيراني الذي كتبه مجلس الخبراء في الأول من جمادى الأولى من عام 1399ه يهدف إلى نشر مشروع ثورة الخميني إلى الدول الإقليمية كمرحلة أولى للتحول إلى بناء ما وصف باسم " حكومة عالمية" كما ورد في نص الدستور، من خلال توسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات والمنظمات الإسلامية. وأفاد الجبرتي أن الدساتير في العادة هي تنظم الكيان السياسي داخل الدولة والعلاقة بين الشعب والقيادة، ولا يحتوي على نصوص تنظم السياسة الخارجية، ولو تطرق البعض منها لا ينص على ذكر توسيع نشاط فكري لتحقيق مآرب للدولة على مستوى العالم.