كلما ودعنا مرحلة من العمر وتغير الزمان يسكن فيه الحنين، وان تغيرت بنا الاماكن نسترجع مخزون صورها وذكريات اهلها. وهذه الحالة الوجدانية لها خصوصيتها مع المدينةالمنورة لمن امضى في رحابها اياماً، فكيف يكون الحنين مع مشوار حياة لسنوات طويلة من العمر، تسكن جوانحي وتتراءى في مخيلتي تفاصيل كثيرة واستدعيها لاستعيد بعضا من حيوية النفس وانتعاشها بذكريات حياة كانت بسيطة وكان الناس اكثر طيبة وعفوية وحميمية، قبل ان يداهم التغيير كل كبيرة وصغيرة حتى في العلاقات الاجتماعية للكبار والصغار على السواء في عصرنا الصاخب. ايام العيد امضيتها في المدينةالمنورة ككل عام للتشرف بالسلام على الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والصلاة في مسجده الشريف، وقد رأيت ملامح المستقبل في المنطقة المركزية من خلال عمليات الازالة فيها على امتدادات واسعة لصالح الحرم النبوي وساحاته لراحة المصلين والزائرين، وهذا هو عهد بلادي مملكة الخير حاضنة الحرمين الشريفين والكعبة المشرفة، بشرف العناية بأقدس مقدسات المسلمين وضيوف الرحمن حجاجا ومعتمرين وزواراً. في الايام الاخيرة وجدت التغيير في الخارطة السكانية لكثير من المباني والناس الذين انتقلوا الى مواقع متفرقة على جنبات المدينة واطرافها وتعويضهم، وبعضهم يستعد لدخول عقاراتهم في مخطط الازالة، لتصبح شيئا من الماضي، وترتسم صورة عمرانية جديدة بعد اكتمال مشروع التوسعة والتخطيط الجديد ومشاريع المرافق والبنية الاساسية والطرق والمطار الجديد ومحطة القطار وغير ذلك من مشاريع كبرى ستشكل النطاق العمراني الجديد للمدينة المنورة، وفي القلب منها المسجد النبوي الشريف وساحاته ومحيطه التجاري وما ستشهده من طفرة كبيرة خلال السنوات القليلة القادمة. انني احرص على لقاء الاحبة من ابناء طيبة الطيبة الذين جمعتنا حياة الماضي لسنوات هي الأجمل في مشوار العمر واحرص على زيارتهم خلال وجودي في المدينة ومعايدتهم وتبادل احاديث الذكريات ولهم في النفس محبة كبيرة، واذكر هنا السيد عبدالوهاب ابراهيم فقيه رئيس مؤسسة الادلاء سابقا، بمكانته ومواقفه واريحيته، وصديقنا الصدوق الاستاذ سالم باشكيل وحرصه على لقاء احبته بالبشر والترحاب، والصديق العزيز الاستاذ اسعد تقي خاشقجي، وابنه الاستاذ بندر وغيرهم من الاوفياء بمعدنهم الاصيل متعهم الله بالعافية، والدعاء لمن توفاهم الله بالرحمة والمغفرة. ان الحنين للذكريات ليس رغبة في العيش داخل صندوق الماضي الذي كنا نحلم فيه بالتطور وهو من سنن الحياة، انما الحنين يأتي لشعور الانسان خاصة كبار السن امثال اجيالنا بجماليات انسانية نفتقدها اليوم بتبدل العادات والتقاليد والقيم رأسا على عقب وضعف التواصل وتراجعه. نعم كل الناس يزينون افئدتهم بالرضا ونفوسهم بالصفاء وسلوكياتهم بالتواضع وافشاء السلام وروح المحبة وصلة الارحام والتواصل، كما يحرصون قبل العيد بايام على تجميل اماكنهم وبيوتهم المفتوحة بزينات العيد لتهل نسماته مبكرا، ومع صباح يوم العيد يصطحب الاباء اهلهم وابناءهم لاداء صلاة العيد في المسجد النبوي الشريف وبعدها زيارة البقيع والمزارات، ويخصص اليوم الاول للاقارب والارحام، والتهاني في الايام الثلاثة من العيد مقسمة على احياء المدينةالمنورة، فتجد البيوت في كل حي مشرعة ابوابها، ويدخل المهنئون ولو لم تعرفهم ويأخذ كل منهم من الاطباق ودلة القهوة ومرش الورد. اما العاب الاطفال فكانت بسيطة كالمراجيح الخشبية والحديدية وتنتشر بسطات البليلة. وفي مواقع الاحتفال بكل حي يجتمع الناس في مظهر احتفالي جميل ويذهب الناس خاصة الشباب الى ضواحي المدينة لمشاهدة البساتين بالعربات. يا لها من ذكريات عبق زمانها واماكنها بصفاء النفوس وراحة البال وبساطة الناس في حياتهم واحلامهم وقد كانت تسعدهم اشياء بسيطة، لكن قلوبهم عامرة وتهفو لصلة الارحام والجيران والترابط والتكافل. هكذا كانت عادات العيد في المدينةالمنورة وكل المناطق، وهكذا تلاشت وتبدلت في حياتنا وفي كل الدنيا..كل عام وانتم بخير. للتواصل/ 6930973