يحب الإنسان أن يقرأ حتى لو لم يقرأ، إنها رغبة مدفونة في داخله، فلربما يحاول تنميتها بأشكال متعددة هي في الأصل قراءة، لكنها قراءة بعيدة عن المنهجية الموضوعية في الفكر، فتجد الإنسان يقرأ الأخبار السياسية والرياضية ويقرأ في التواصل الاجتماعي الطرائف أو ما يشده، فهو يشبع جانب الرغبة لديه بهذه القراءة الغير موضوعية. بينما في القراءة الموضوعية قد يكون الإنسان شغوفا بفكر ما، أو فكرة ما، فيقرأ عنها، ولربما كانت هذه الفكرة تغذي سلوكا معرفيا لديه أو اعتقادا له في جانب معين، فتجده يقلب كل محتوىً يتيسر لديه لإشباع معرفته في هذه الفكرة، فيقرأ مثلا في (الوعي) لكاتب ما، ولمجموعة أخرى، فيشكل منها منهجا لتعريف فكرته وتوسيعها بأشكال متعددة. إن وعي القارئ لا يصل إلى مرتبة متقدمة من الاستيعاب ما لم يقرأ من الكتب والأبحاث والتعمق فيها، وليس اعتماده على الأفكار المبثوثة اللا مستوعبة كالمقالات أو المحاضرات. إن تشكل الوعي القرائي لا يلغي المقالات أو هذه الدروس المقتضبة بل ينميها، ولكن اكتفاء القارئ بالمقالات والأفكار المبثوثة لتنمية ثقافته لا يسهل له بلوغ الوعي الكافي. ومن المهم أن نقرأ أيضا لغيرنا بوعي، وأهم مبدأ في ذلك (لا تصدق كل ما تقرأ). يتعرض الكثير من القراء التقليديين لمشكلة من هذا النوع، على نحو تصديق أفكار معينة قد تكون قريبة من توجهاتهم أو وجدوا أن طريقة صياغتها مقنع، فيلجأ لتصديقها وأكثر هؤلاء عرضة لهذا النوع من التشكيك أو عدم الاستيعاب القراء الذين يشخصنون قرائتهم. وشخصنة القراءة تكون في نواح متعددة كالقراءة لشخص معين دون غيره ولفكرة معينة بغرض مواجهتها أو مواجهة فكرة أخرى بها، أو القراءة من أجل الدفاع عن توجه أو فكرة معينة، هذه أشكال من شخصنة القراءة، وهذا لا يقدم لنا وعيا جيدا عندما نقرأ لغيرنا. فعندما تقرأ لشخص فهو أيضا يقرأ وعليك أن تبحث عن مصادر قرائته لتتفوق عن النمط الذي أنت لا تتجاوزه. كما أنك عندما تقرأ بوعي تتفادى الوقوع في فهم النص الذي تقرأه بشكل خاطئ، فهذا الوعي يجعلك تعتمد على نفسك في الحصول على مصادر كل معلومة والاستقلال برأيك فيها بدلا أن تتحكم بها قرائتك الشخصية المبنية على انطباعات فكرية واعتقادية لأشخاص آخرين. ومتى ما وجدت نفسك قادر على القراءة بكثافة وعمق في أصول وطرق القراءة وليس في أرصفتها ولك وسيلتك الخاصة في التعامل مع قرائتك لغيرك بعمق فحينها وصلت إلى مرحلة القراءة بوعي. كتبه : فهد فاتك