لدى كثير من القراء والمثقفين رغبة في دعوة الغير للقراءة، لكن النمط الذي يسيرون عليه في دعوتهم للقراءة يسير على نمط واحد وهو (كيف تقرأ؟). وتجد في هذا النمط شرحا لطريقة القراءة واقتناء الكتب أو طابعا تحفيزيا عن قصص القراء كما فعل ألبرتو مانغويل في كتابه الشيق تاريخ القراءة. في الحقيقة أن هذا النمط الدعوي مستهلك إلى حد ما، فطالما أن الإنسان يجيد القراءة فهو يجيد الوصول إلى الوسيلة التي تنمي هذه القراءة في المعرفة. ليس بحاجة إلى تذكيره بنوع الطاولة أو الجلسة أو الوقت الذي يستخدمه، لأن القراءة ليست نمطا برجوازيا. وهذه الوسائل التذكيرية ما هي إلا اعتقال للقراءة في أشكال ورمزيات محددة. إن الوسيلة التي بحاجة ملحة لكي نفهم القراءة ونجيدها هي عن طريق (من أين نقرأ؟). يذكر ابن خلدون في مقدمته الجزء الأول ص 250 أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة. كما أن في معرض كلامه يدل على أن العرب لا ينقادون إلا بالدين ولا يمكن الوصول إلى اعتقاد العربي ما لم يكن ذلك بوسيلة دينية. ولا يخفى أيضا أن الميل الأساسي للطبيعة البشرية تكون نحو التدين، والعلاقة البشرية مع الأديان علاقة متشعبة ومتصلة ومتماسكة أيضا، وكنظرة سريعة على الواقع العربي السياسي، فإن الخطاب السياسي الديني يحظى بجماهيرية أكثر من غيره. وقد يقول قائل ما علاقة هذا النص بسؤال (من أين نقرأ؟) إن الإنسان يقرأ ولأسباب كثيرة ومنها أنه يريد أن يخرج عن النمط الاجتماعي السائد وبالتالي يريد أن يحظى بخطاب مقبول أو مثير أمام هذا المجتمع، ولن يحصل ذلك لهذا القارئ ما لم يعرف مجتمعه من العمق، وعمق أي مجتمع هو تدينه، وماذا لو قلنا (قل لي ما دينك، أقول لك من أنت!). إن الشخص الذي يعتمد على نوع قراءة معين كقراءة الشعر، لن يستطيع أن يفهم طبيعة مجتمعه إذا كان يريد أن يخاطب مجتمعه، كما أن المكتفي بشعر معين يصنع منه عارفا بهذا النوع من الشعر فقط ولا يصنع منه فاهما بكل مدارس الشعر! وقارئ الروايات لا يفهم من تلك الروايات إلا بعض السلوكات والحكم. لكن لكي تتحدث بعمق وتعرف بعمق وتقرأ بعمق وتؤثر بعمق، عليك أن تقرأ الدين أولا! فالإنسان المطلع على الدين يستطيع أن يطلع على ثقافات كثيرة، وبالتالي يستطيع أن يجعل هذه الثقافات تمتزج بعمق مع ثقافته الدينية وهذا النوع سيؤثر بقوة في التعامل مع المجتمع، فضلا عن دقة القارئ في التعامل مع معلوماته القرائية، فالقضية التي ذكرها ابن خلدون قضية علم اجتماع ودراسة ذكية تبين مدى علاقة العرب بالتدين وهذه العلاقة تقريبا في معظم المجتمعات التي تنتمي لديانة معينة، ما لم تفهم جليا وتكن مطلعا على أديان تلك المجتمعات، فلن تكون ثقافتك (الاجتماعية) عميقة، لكن قراءتك في جنس معين يصنعك مثقفا (مختصا) ولكن التأثير محدود. ولكي تعرف مدى علاقة الشعوب بالتدين، لاحظ المقالات الدينية المثيرة كيف تحظى بصخب حتى وإلم تجد هذه المقالات عميقة، ولكي تقرأ دينا ما، فلا تقرأه من الأعداء أو الأحاديين وإنما ابدأ من أصوله كأنك (رجل دين) بعقلك وبفكرك أنت، ولا تنسى نصيبك من الدنيا. وعليك أن تفهم دين كل شخص، لتعرف من هو وكيف تتعامل معه، إذ أن السلوك الأخلاقي ليس على وتيرة معينة، فانحنائك لرجل في اليابان ليس كما يفهمه رجل عربي محافظ. وهنا على كل إنسان أن يحدد من أين يقرأ ليؤثر، وليتأثر، ثم بعد تحديد منطلق قراءته، يحدد ماذا يقرأ. فمثلا لو أراد أن يقرأ شيئا ينطلق من عمق فكرته في الكتب، ثم يحدد أعمق الكتب التي توضح فكرته!.