توقفت ،أخذت نفسا عميقا،ثم أكملت تقطع الطريق،ولم تفق إلا على بوق،وصوت فرامل سيارة كادت تصطدم بها. واصلت طريقها مذعورة،تحت صراخ السائق الذي كان ينعتها بالريفية التي لا تعرف العيش في المدينة،ولا حتى كيفية قطع الطريق. على الرصيف المقابل،توقفت،ثم التفتت صوب مقر الجمعية كأنما تبحث عن شيء ما. كانت شاردة الفكر،ودقات قلبها تتصاعد كأنما يريد أن يقفز من قفصها الصدري. أحست بعطش شديد،وجفاف في الحلق،فقصدت أقرب مقهى لتروي ظمأها. جلست علي طاولة في زاوية بعيدة عن الأنظار،ثم إخرجت من حقيبتها اليدوية مرآة صغيرة ،وراحت تعدل خمارها،وترجع تحته ما بدا من شعرها الحريري الناعم. اهتزت على رنين الهاتف وهي تتمتم: -أكيد الأولاد.اللهم خير. كان الرقم غريبا عليها،غير مسجل في قائمة هاتفها. -ألووو -ألووو…مدام محاسن. ارتعش كامل جسدها،لم يكن الصوت غريبا عليها. -نعم محاسن.من معي؟ -أنا زهير. ضاع منها الكلام،وهي تحاول الرد بصوت مبحوح،متقطع. – زهير…زهير من؟ -زهير الذي كان يكلمك منذ قليل في مقر الجمعية. دون شعور منها،وفي حركة سريعة لا إرادية أغلقت الخط،وقد وجدت نفسها واقفة تضغط بكل قوتها على الجهاز،لتكاد تكسره بين أصابعها. لم تكن تتنفس،لقد صارت تلهث كمن جرى عشرات الكيلومترات. نظرت إلى الهاتف طويلا،وهو يرن من جديد،قربته من أذنها،وأجابت في حشرجة: -نعم -آسف مدام محاسن.الخط انقطع. -من أين حصلت على رقمي أستاذ زهير؟ -عندكم مثل في مصر يقول:اللي يسأل ما يتوهشي. -يعني سألت عني وعن رقمي.شكرا على الإشهار أستاذ زهير. -لا…لم أسأل.بحثت في ملفات أعضاء الجمعية المودعة على مستوى الإدارة. في الواقع،لم يكن يهمها من أين جاء برقمها،ولا ممن حصل عليه.فقد اقتطعت تذكرة سفر إلى عالم سحري،أخذها إليه صوته الذي كان يغمرها بالحنان،ويهز كل ذراتها. مدت يدها في بطء لتمسح قطرات عرق بللت جبينها وهي تقول بصوت خافت،أرادته حازما: -تفضل أستاذ زهير.أية خدمة؟ لم يطل انتظارها لتشعر بقلبها يكاد يتوقف عن الخفقان. -محاسن…هل تؤمنين بالحب من أول نظرة؟ أسندت كتفها،وراحت تنزلق رويدا،رويدا لتسقط بكامل ثقلها على الكرسي.بينما في الطرف الآخر من المقهى كان الصوت العذب يحاول مغالبة ضجيج الزبائن . ( يا حبيبي إيه أجمل م الليل واتنين زينا عاشقين تايهين ما احناش حاسين العمر ثواني والا سنين حاسين اننا بنحب وبس عايشين لليل والحب وبس يا حبيبي الحب حياتنا وبيتنا وقوتنا للناس دنيتهم واحنا لنا دنيتنا وإن قالوا عن عشاقه بيدوبوا في نار أشواقه أهي ناره دي جنتنا) يتبع… ولحديث القلوب شجون لاتنتهي [email protected]