هذه الرواية تضع قلبكَ بين نهرين يتدفقان بالمشاعر الإنسانية، والقيم النبيلة التي تربى عليها الفلاح القروي في زمن القحط وأنت بين هذين النهرين تستحوذ عليك عاطفتي المرارة، والغصة محشوةً بشيء من الأمل متجسداً بعنوان الرواية "على قيد الحياة" وما بين عَبْرَةٍ تود أنْ تطلقها بفرحٍ يسافر بعيداً خلف الحقول ويغفو على الريح التي تصْفر كنايٍ حزين وكلما امتد بك طريق النص وجدته يفضي إلى أرض مبللة بالدموع غير أن ذلك لا يطفئ شمعة الأمل لديك، فالراوي "فو قوي" الذي يحكي قصته للجوال الذي يطوف الأرياف، وقصته التي تشبه الكثيرين من قصص الناس في زمن الجوع والفقر التي عاشتها الصين في تلك الحقبة الزمنية، ولكن الفن في القصة أنه يرويها وكأنه يكتب قصيدة ملحمية. وبالرغم من أن الرواية فقدت الكثير من طعمها اللغوي على الأقل بالنسبة للقارئ العربي ولا أعلم سبب ذلك هل أن الكاتب قام بسردها بلغة بسيطة، لتكون أكثر واقعية؟! وهي عندما تروى على لسان الفلاح الكادح والبسيط في التعبير عن مشاعره أم أن بعض المقاطع كانت باللهجة الصينية الدارجة! أو أن الترجمة إلى العربية سلبتها فتنة اللغة لتبقى قريبة من النص الأصلي الصيني؟! فمثلاً جاء لسان الطفل "يوي تشينغ" وهو يسأل أمه "لا أذهب إلى المدرسة اليوم حسناً أم لا"… "إنهم لا يذبحون الشاتين اللتين أقوم على تربيتهما" وهو يقصد حسب سياق النص أنهم لن يذبحوا الشاتين.. وبعد أن شعرتْ "جياشين" بالتعب قال لها "فو قوي".. "أنتِ تغمضين عيونكِ وتنامين قليلاً" وهو يطلب منها أن تخلد إلى النوم. مختصر قصة فو قوي تتلخص في التالي: أنه كان في بداية زواجه من طبقة مقتدرة ثم يقوم بتبديد ثروة عائلته عبر القمار ويموت أبوه إثر هذه النكبة ولكنه لا يستسلم أمام الحياة ثم تمرض أمه وهو في أوج الفقر ويذهب للمدينة لاستدعاء طبيب لعلاجها وفي جيبه كل المبلغ الذي ادخره من ساعات العمل في الحقل ثم يقع بين أيدي السلطة ويجند بالإجبار ثم يقضي عامين في الحرب وبعد أن يعود يجد أمه قد فارقت الحياة وأصبحت أبنته "فينغ شيا" بكماء لا تتكلم إثر حمة أصابتها ثم يفقد ابنه "يوي تشينغ" لأنه تبرع بالدم إلى زوجة رئيس القرية وبعد ذلك تتزوج أبنته وأثناء الولادة تموت في نفس الغرفة التي مات فيها يوي تشينغ ولكنها تنجب طفلاً يدعى "كوقن" وتموت زوجته وزوج ابنته "أرشي" ويبقى وحيداً مع حفيده ثم يموت حفيده مختنقاً بالحبوب "بذور".. ولكنه في نهاية الحياة يبقى وحيداً ويقرر أن يشتري بقرةً يستأنس بها في وحدته ليكون "على قيد الحياة". فالرواية لا يمكن النظر إليها من زاوية الحدث أو "الحبكة الروائية" لأن كل القصة تتلخص في هذا الموت المتتالي لعائلته، فهي أشبه بالفيلم السينمائي فالحدث والمشهد هما اللذان يفعلان فعلتهما في العقل والقلب. وهنا أتذكر رواية "الطريق" للكاتب الأمريكي كورماك مكارثي والتي يمكن من خلالها أن تتخيل حجم الدمار الذي حل بالأرض بمعنى آخر فإن رواية "على قيد الحياة" تتجه نحو هذا الفعل الصوري والذي يرسمه الخيال من خلال الحكي داخل النص الروائي بالإضافة إلى أنها تطفح بالمشاعر والشعرية التي تتكئ على اللغة البسيطة أكثر من اتكائها على الجمال اللغوي لهذا أرى أن نقرأها بوصفها ملحمة شعرية تجسد أحاسيس الفلاح الصيني الكادح الذي يعبر عن مشاعره بلغته التي يجيدها ويعبر من خلالها عن همومه وفرحه وأشيائه في الحياة ليتمسك بالأمل الجديد ويبقى على قيد الحياة.