ومن يتأمل أحوال أهل السماء وأهل الأرض، لوجد فيضاً من الدهش وفيضاً من العجب. فالسماء أهلها ملائكة من نور لا تعرف سبيلاً للشهوات والملذات كحال أهل الكوكب الأرضي، فسماويتهم جعلتهم في غنى عن تلك السفاسف الدنيوية. ومن أهلها كذلك الطير، تحلق في جنباتها كالحرائر، مستأنسة بأريج الحرية وعبيرها السماوي، منشدة بتغريداتها أعزب وأرق الألحان، مداعبة بأسرابها السحاب، مُسبحة بحمد ربها. ومن أهلها الشمس والقمر، آيتين، فالأولى تمد أهل الأرض بجدائلها الذهبية الدافئة، فيبتهج الزرع ويتراقص فرحاً بها وتشرق الأرض بنور ربها. بينما الثاني يُنير لنا الدرب في ظلمة الليل الحالك فنسير على هدى. ومن أهلها كذلك المطر، يهطل علينا مدرارا، فتتطهر به العباد وتُسقي به الدواب، وتحيا به الأرض الموات المُجدبة، فتُخرج لنا من كل الثمرات مختلفاً ألوانها. كما أن السماء رجوماً للشياطين، تقذفهم من كل جانب، فلا يجدوا سبيلاً لنشر فسادهم وكيدهم فيها وتعكير صفوها كما هو حاصل بين أهل الأرض. وهي زينة للناظرين، تسُرهم عند النظر إليها، فتُذهب أشجان قلوبهم ونحيب أنفسهم بالسكينة والطمأنينية. فالله اختصها بمعالي الأمور، فاستحقت وأهلها العلو والسمو عن الأرض وسكانها في كل شئ. بقلم/ أسامة بن محمد أبو هاشم