أي اللونين يمثِّل البنت وأيُّهما يمثِّل الولد؟.. أنا شخصيا أميل للأزرق ولم أفهم يوما لماذا يتوقع مني أن أميل للبمبي..! قبل الحرب العالمية الثانية لم يكن العالم ليتوقع مني ذلك. في الواقع كان الأطفال من الجنسين يلبسون فستانا أبيض.. وحتى بعدما ظهرت الملابس الملونة في أواخر القرن التاسع عشر كتبت مجلة أزياء أول رأي بهذا الخصوص جاء فيه أن الوردي لون الأولاد لأنه لون قوي وأما الأزرق الناعم الهادئ فهو لون البنات. تبع ذلك رأي آخر يشمل الجنسين ورد فيه أن الأزرق يناسب ذوي الشعر الأشقر والوردي يناسب ذوي الشعر الداكن. ولأن وضع مثل هذه النظريات من شأنه أن يغري الوالدين لشراء ملابس جديدة وربما قطع أثاث جديدة كلما رزقوا بمولود جديد تبعا لجنسه فقد انتهز التجار هذه التصنيفات ليروجوا عبر بضائعهم أن الأزرق لون الأولاد والوردي لون البنات واتجه الناس للأسواق ووجدوا حيطان وأرفف وردية لا وجود لبضائع أولاد فيها وعلى الجانب الآخر كل ما له علاقة بالأولاد متشحا الزراق. وبذلك تكون ظاهرة استخدام الألوان للفصل الجندري عملية تجارية بحتة ولا علاقة لها بميول الإناث أو الذكور. لكنها التنشأة الإجتماعية ما وراء توقعات العالم ووراء استغراب أهلي من تعلق طفلي الذكر بحيوان محشو وردي. المجتمع بأفكاره وممارساته وتجاره ورموزه فعليّاً يتحكم في تنشأة الأفراد فيزرع في عقولهم الباطنة لا شعوريا تصوره للصواب والخطأ وللجميل والبشع وللنجاح والفشل وللمقبول والعيب. حتى أدوار الفتاة والعمل المناسب لها والهيئة واسلوب الحديث ونبرة الصوت واللون المناسب جميعها يحقنها المجتمع تدريجيا في دمها سرعان ما تدب فيها الحياة. أمها تلبس الوردي بمجرد معرفتها بأنها تحمل انثى. ثم تخرج لتجد غرفتها وردية وملابسها وردية و الشخصيات المؤنثة في أفلام الكرتون وردية.. وتأخذها أمها للسوق فترى كل أقسام البنات وردية وهكذا لا تملك سوى أن تتعلق بكل ما هو وردي ولو خيرناها لاحقا بين الأزرق والوردي لاختارت الوردي ولقلنا اختارته بمليء إرادتها والحقيقة أنها تمت تنشأتها اجتماعيا بما يريده المجتمع لها حتى ظنَّت أنه ما تريده.