مر السودان بتجارب متعددة لإدارة الحكم في مساحته الشاسعة وتعدد قبائله ولهجاته وثقافاته كان آخرها تقسيمه إلى 18 ولاية وهذا التقسيم نتج عن اتفاقية السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه عام 2005م وبعد إنفصال الجنوب في سنة 2011 م عبر استفتاء عام بمقتضي الإتفاقية ذاتها وما تبع ذلك من تقسيم لاحق للولايات. وبموجب هذا التقسيم أصبحت كل ولاية تدار بواسطة أبنائها ينخرطون في حكومة ومجلس تشريعي ومعتمديات مما خفف كثيراً من الشكاوى التي لازمت العهود الماضية بسيطرة المركز وتحكمه في كل شيء وتصاعد إدعاءات التهميش في بعض مناطقه التي أنبتت الحركات المتمردة التي تقاتل الدولة,حسب زعمها. غير أن هذه التجربة ,وإن حققت نجاحا ورضا في الولايات المختلفة وقصرت الظل الإداري إلا أنها لم تخل من السلبيات ولعل أبرزها مقترح الرئيس عمر البشير للمجلس الوطني لإجراء تعديلات دستورية قال إنها عاجلة وضرورية تتعلق بالحكم اللامركزي معتبراً أنها أظهرت ممارسات خاطئة في التطبيق أدت إلى تفشي الجهوية والعصبية القبلية وباتت تهدد الأمن القومي. ومع أن دستور 2005 الانتقالي ينص على انتخاب ولاة الولايات بجانب مجالس تشريعية خاصة بها مع صلاحيات واسعة لإدارة ولاياتهم فقد أجاز المجلس الوطني في يناير الماضي تعديلات على الدستور تتيح للرئيس عمر البشير تعيين وعزل الولاة بدلاً من انتخابهم. إلا أن كل ذلك متوقف على نتائج الحوار الوطني الذي انطلق العام الماضي لتحديد شكل الحكم والهوية والدستور الدائم وغير ذلك من الأمور الجوهرية. تجربة السودان في هذا المجال عميقة وفقا للدكتور أبكر عمر أبكر خليل من أكاديمية السودان للعلوم الإدارية فعند إنفاذ قانون الحكم المحلي لعام1951 م تم تقسيم السودان إلى 86 مجلساً وفي 1971م في ظل قانون الحكم الشعبي المحلي أصبحت المديرية وحدة حكم بشخصية اعتبارية ولها موازنة وهيئة حاكمة هي المجلس الشعبي التنفيذي وله سلطة إنشاء مجالس شعبية تحتية وفي قمة المجلس الشعبي التنفيذي محافظ يعين بواسطة رئيس الجمهورية و بلغت وحدات الحكم الشعبي المحلي حوالي 5610 مجالس ثم جاء قانون الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية 1972م كثمرة من ثمرات إتفاقية أديس أبابا 1972م لتصبح المديريات الجنوبية للسودان إقليماً يتمتع بالحكم الذاتي الإقليمي في نطاق جمهورية السودان الديمقراطية ويعرف بإقليم جنوب السودان وقد تباينت الآراء حول الأسباب التي دعت للتفكير في تطبيق الحكم الإقليمي وصدور قانون الحكم الإقليمي 1980م الذي نص على إنشاء خمس أقاليم في شمال السودان وتم تحديد نمط حكم خاص فصل للخرطوم كمديرية في مرحلة وكعتمدية في مرحلة أخرى ثم صدر قانون الحكم الشعبي المحلي 1981م تحت مظلة الحكم الإقليمي.أما الحكم الاتحادي كخيار لحكم السودان فقد تم التوصل إليه في مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام. وبصدور المرسوم الدستوري الرابع بتأسيس الحكم الاتحادي 1991م أصبحت جمهورية السودان تدار على أساس الحكم الاتحادي. ومن بعد هذا المرسوم صدرت عدة مراسيم دستورية ، جمهورية وقوانين للحكم المحلي بهدف تنظيم أجهزة الحكم وصدور دستور جمهورية السودان الانتقالي 2005م.