لا يشك عاقل في المنجزات العظيمة التي حققتها التقنية للإنسان فجعلت عالمه متسارعا وإنجازاته كبيرة وظاهرة للعيان . ولقد أصبحت التقنية في هذا الزمن خيارا رائعا في كثير من محطات الحياة إذ تجد نفسك تقوم بإنجاز كثير من الأعمال والمهام وأنت في منزلك أو مكتبك دون أن تتجشم عناء الذهاب والإياب كما كان الحال قبل عقود قريبة . وهذه وغيرها كثير حسنات يجب أن تقال فتشكر كيف لا وقد حسنت من مستوى معيشة البشر ورفعت من مداركهم وزادت من معارفهم . من ناحية أخرى فقد كان لهذه التقنية – كما لغيرها – كثير من المظاهر السلبية المؤثرة سلبا على حياة البشر . وسوف نتطرق في هذه المقالة الى بعض الجوانب التعليمية و الاجتماعية والطبية . فعلى صعيد التعليم والتعلم نجد أن هناك تدن واضحا في مستويات الطلاب في المهارات الأساسية ( القراءة والكتابة ) كما أن جودة الخط وجماله قد تأثرت هي الأخرى إضافة الى مهارات الحساب الأولية . ولعل من أسباب هذا التدهور- إن جاز التعبير- الاتكال المطلق على التقنية كوسيلة أساسية لتصحيح أخطاء الكتابة وسرعة الوصول إلى المعلومة . وهذا بدوره أفرز جيلا متكاسلا لا يهتم بالبحث عن المعرفة من مظانها وإنما يكتفي بما تخرجه له محركات البحث الالكترونية من معلومات جاهزة لم يتعب في الوصول إليها حتى أنه ليس بمستبعد أن نفقد وإلى الأبد طبقة العلماء الباحثين إذ تحول كثير منهم إلى فرسان يمتطون صهوات وسائل التواصل الاجتماعي عازفين عن البحث في أمهات الكتب وبطون أسفار العلم . وإن تحدثنا عن الأثر الاجتماعي فهو جلي بلا ريب ويلحظه الجميع ولكنهم عاجزون عن تغييره . لقد أصبحنا نعيش عزلة اجتماعية حقيقية ونعيش عوالم افتراضية وهمية أبعد ما تكون عن الحقيقة لاسيما لفئة اليافعين والشباب فتجد أحدهم ينفر من اجتماع عائلي ويهرب من مناسبة اجتماعية ليعيش بكل سعادة وحبور مع صديق افتراضي يبعد عنه آلاف الأميال . إنها مأساة مزعجة يجب أن يتنبه لها الجميع وعلى كافة المستويات الرسمية والأهلية . لقد أصبح كثير من الآباء والامهات يجدون في التقنية ملاذا من ازعاج أبنائهم فتجدهم يدفعون بين أيديهم بشتى انواع الأجهزة غير مبالين بما تحويه من برامج وأفكار ومضامين ناهيك عن بعد الابن صدودا عن والديه وانعزاله يوما تلو آخر حتى يألف الوضع الجديد ويضيق ذرعا بمجالسة والديه وإخوته . هناك جوانب أخرى كثيرة منها على سبيل المثال الجانب الصحي الذي كان لهذه التقنية بصمة واضحة فيه . فقد كثرت مشاكل الأطفال النفسية والسلوكية إضافة الى كثير من الأمراض العضوية الظاهرة كأمراض العظام والمفاصل ومشاكل الإبصار والسمنة والسكري وغيرها من الامراض المرتبطة بشكل مباشر بالكيف والزمن اللذان تمارس بهما وفيهما هذه التقنية . من الحلول المهمة لمعالجة هذه المظاهر المزعجة تقنين ساعات لعب الاطفال واستخدامهم لهذه الاجهزة وحثهم بكل السبل على ممارسة أنشطة بدنية يفرغون من خلالها طاقاتهم الهائلة . كما ينبغي على مؤسسات التعليم إيلاء المهارات الأساسية وتطبيقها عمليا أهمية قصوى والتشدد في قياس مخرجاتها واعتباره أمرا لا تنازل عنه ولا مساومة عليه . ويجدر التذكير بأهمية خطيب الجمعة ودوره الكبير في التذكير والتوعية المستمرة بهذه المخاطر التي تتربص بنا في كل لحظة . هذا الموضوع يحتاج كثيرا من العناية والدراسات والمحاضرات التوعوية والتثقيفية. حمى الله شبابنا ووطننا من كل شر . Twitter : omarweb1@ Email :[email protected]