في خطوة غير معتادة ومفاجئة للوسط الثقافي اعدت الناقدة لمياء باعشن كتابا بعنوان: «زوايا الدائرة» فهو يشكل كتابات متنوعة من الكتاب والكاتبات وذلك من خلال رسائل الجوال والتي تعبر عن طقوس الكتابة في فترة زمنية في تصنيف أجناس الكتابة، وقد ساعدها في تلك الطقوس الكتاب والكاتبات في تكون مادة الكتاب الأساسية، من خلال ردودهم على رسائلها تنشرها في كتاب من دون علم سابق معرفة منهم، ما حدا بهم إلى كتابة عبارات مفتوحة على أفق فكري لغوي، وأدبي تخييلي واسع يمكن من تأويلها وفق مستويات عدة. وقد جاءت هذه الطقوس لدى الدكتورة لمياءباعشن، بإرسال مقولات ونصوص مباغتة وقصيرة إلى مجموعة من الأدباء والشعراء والنقاد والمثقفين، منهم: عبده خال، أروى خميس، منصور الحازمي، معجب الزهراني، حليمة مظفر، عبدالرحمن المحسني، سهام القحطاني، عبدالله التعزي، أمل القثامي، أمل زاهد، إبراهيم الصعابي، إيمان الصبحي، أحمد قران الزهراني، محمد الدبيسي، زينب غاصب، خالد أحمد، عبدالله ثابت، ميادة زعزوع، سمية جبرتي، وخالد ربيع السيد. ثم انتظرت ردودهم لتجمعها وتصنفها وتعلق عليها باعتبار مقولتها الأساسية دائرة محورية يقدم فيها كل مشترك وجهة نظره وطرحه، بحسب زاويته التي يتمثلها. ينقسم «زوايا الدائرة» إلى 4 فصول في 170 صفحة ويحوي ما يقرب ال 400 رسالة : أولها «رسائل في دائرة»، ويحوي استجابات المشاركين في دائرة التواصل. والفصل الثاني «حوار جوال» يبدأ التفاعل فيه برسالة محفّزة ليفتح الرد عليها باباً جديداً للحوار. أما الفصل الثالث بعنوان: «قصة نصية قصيرة» فيؤسس حبكة درامية آخذة في طور النمو ثم النضج لتنتهي بصمت التأمل، وفي الفصل الرابع «قصيدة جوالية» يتم إرسال شطر بيت أو مطلع شعري إلى متلق ليكمله، ثم يُرسل إلى شخص ثالث ليضيف نصف بيت يكمله المتلقي الرابع، وتكون النتيجة قصيدة مشتركة. تقول باعشن: «بعض تلك المقولات يكمن جمالها في قدرتها (الحربائية) على نفض الغبار الاعتيادي، وفي تهميشها للقوالب الثابتة وإعادة تكوينها على أسس الدهشة والمفارقة. لكن ما يثري الكتاب ويهيئ القارئ للدخول على تجربة جديرة بالتمعن، تلك المقدمة الضافية التي تُستهل بها، فالرسائل بحسب رأيها تنبع من صميم الطبيعة الاجتماعية الساعية إلى التواصل بأشكال أكثر مرونة، تتناسب مع إيقاع العصر وسياقاته التداولية. ويتيح الكتاب باحتوائه على عشرات الرسائل التأمل في الحالات الذهنية والوجدانية والفكرية اللحظوية عند كتابة الرسالة، ما يفتح مساحات رحبة لتفاعل المتلقي، مشاركاً في بناء الخطاب الرقمي، ومساهماً بما يبدعه، وهنا تكمن أصالة الابتكار في الطبيعة التراسلية لهذا المشروع الكتابي المشترك. توضح لمياء باعشن أنه عندما يحرك المتلقون فكرهم التأملي والنقدي والإبداعي ينتج الحوار الجوالي، وتتوالد النصوص الموازية للنص الأول، واحتسابها أشكالاً جديدة للأدب الرقمي، ومعيارها أن الوسط المستخدم في إنتاجها وتلقيها هو وسط إلكتروني لغوي قابل للتفكيك. وتشير إلى الصعوبة التي ستواجه النقاد وتكتنف التنبؤ بتأثير الرسائل الجوالية على الخطاب الأدبي، لكنهم كما تقول سينظرون باهتمام شديد إلى الشاشة (الكريستالية) الصغيرة، ويترقبون ما سيفرزه هذا الوسيط الثقافي الجديد، الذي يرجّح حدوث انقلاب في أدبية الكتابة وطرق تعبيرها. لا سيما أن أعمالاً روائية كاملة تمت كتابتها على الجوال مثل رواية «رفقاء السفر» للإيطالي روبرت برنوكو، ورواية «الرسائل الأخيرة» للفنلندي هانو لونتيلا، وفي الهند صدرت رواية جوالية بالإنكليزية للكاتب روجو بعنوان: «غرفة المعطف». ويذكّر الكتاب بما يوصف ب «مايكرو الشعر» المحصور في ستة أسطر، حتى لا تخرج عن حيز الشاشة الصغيرة، ويحاكي هذا الشعر قصائد «التانكا» و «الهوكو» و «الهايكو» القصيرة المحتشدة باللغة المخلوقة بإيقاعات جديدة خارجة عن الإيقاعات الموروثة، وربما استعاد شيئاً من حكم أبي العطاء، وشذرات جلال الدين الرومي . من أمثلة المراسلات مقولة رئيسية لباعشن: «ما إن انتهيت من بناء سفينتي...حتى جف البحر». يرد عليها منصور الحازمي: «ليت بحار العالم كلها تجف كي يشهد الغرب مهارتنا في استخدام الإبل». ويرسل عبده خال «عندما نقوم بأي فعل متناسين جريان الزمن، فإن الحياة برمتها تجف»، وتنافح حليمة مظفر «وما إن جف البحر حتى طويت السماء داخل رئتي».