منذ رجوعي للسعودية، وانا أستلم يومياً عشرات الرسائل في الفتاوي والاحكام من الاصدقاء، ابتداءً من مشروعية الاستجمار بالأحجار في كوكب زحل! وحتى كيفية الاغتسال في مركبات الفضاء! ناهيك عن مئات الرسائل الدعوية حتي اصبح هاتفي موسوعة دينية تكفي لإنشاء مدينة الفضيلة بأحسن مونة وتشطيب. والغريب أن ترى أقربائك (المتخصصين في ارسال رسائل التداوي بالآيات) هم اكثر جماعة تسبب زحمة المستشفيات! حيث أعجبتهم القعدة والاعتكاف في مستشفيات الدولة أخذاً بالمقولة غير الشرعية (البلاش كتر منه). ثم تجد كل (مقاول او كهربائي، أو سباك هارب من كفيله) يضع رسالة صوتية دينية في تلفونه! لمعرفته بثقة الناس في المتدين التقي النقي، الذي سيهديك مقلبا ساخناً مربوطا بسلك كهرباء نحاس 3 فاز، مخفي ومتليس عليه بحرفنة! تكتشفه بعد ان تسكن. والأعجب من ذلك أنَ ترى صديقات زوجتك بدلاً من الانشغال بتعليم الاطفال ! تجدهن عاكفات متفرغات، مخلصات في تنمية قدراتهن علي إصدار الفتاوي والاحكام على الجيران، فيحكمون على صلواتهم، وكيفية صيامهم، وينصحون ويفتون..الخ! فهذه احدى نتائج تغول سفهاء العامة! على علماء الأمة! واقتحامهم ساحات اهل العلم والاختصاص! وإقتفاء ما ليس لك به علم من أدبيات الدعوة والارشاد! وقد حّذر علمائنا حفظهم الله مراراً من استشراء ذلك بين العامة، فأصبحت كل من قرأت حديثين في الصحيحين خطيبة ومفتية! فهل تعلم يا قمر الزمان أن جمييييع الرسائل الدينية التي تطلب منك ان ترسلها لعشرة اصدقاء، هي النسخة العربية لرسائل (علوم الابراج و الطوالع) التي كانت ترسلها مافيا الانترنت الروسية الي الأوربيون السُذّج من برج الثور! ليحصلوا علي اكبر عدد ممكن من ارقام الاصدقاء ومعارف الاصدقاء! فيتم الوصول إلى مئات الهواتف من رقم واحد و رسالة واحدة فقط تحتوي علي شفرة التتبع! Viral massages ثم بيع تلك الأرقام الي سمارة الدعاية ( الم تسأل نفسك كيف جاتك مكالمات من افريقيا ومئات الرسائل من المعلنين، وكيف حصلوا علي رقمك يا حكيم زمانك وبالعود الكمبودي نبّخر مكانك)؟! فصار المُكّوِن الثقافي للعامة في منتهي الضحالة! لا يحتوي علي أي حصانة فكرية! فأصبحت مجتمعاتنا فريسة سهلة لأي تفاههة قشرية تُرمي لهم! دون تعقل و إدراك! بل تصديقاً للتفاهات! واحتفاءاً بالهيافات، وإرسال الرسالات! فأصبح التدين القشري ذريعة لترك العمل والتحصيل العلمي في المجالات التقنية والحرف اليدوية التي يحتاجها الوطن! وتحول مجتمعنا المسلم الي (مجتمع استهلاكي بحت) متخصص في التنظّير، عايش علي (قفا) الدعم! وعلي منتجات ومبتكرات الدول الاخري في الطب والصناعة والتكنولوجيا. فتجد كل واحد قرأ سطرين في رياض الصالحين، أو حديثين في الصحيحين، طفق يدعوا الناس! ويعظ ويخطب تماشياً مع الموضة! حتي غلب عدد (الناصحين والناصحات) عدد (المستمعين و المستمعات).. فوجب علينا استقدام عمالة متخصصة في فنون الاستماع! ذات خبرة في حرفيات السماع! حتي نواكب التطور التكنولوجي الحضاري الذي احرزناه في تطوير مصانع النصيحة و الإرشاد التي أنشأها العامة بعرق جباههم وسواعدهم وليس بالجلوس والكلام والامر والنهي! و قد تحدثت في هذا الموضوع مع عمالي الذين أرسلتهم للعمل عند اناس يدفعوا لهم 30 ريالا استماع في الساعة! فسألت عرفان: لمذا شكلك تعبان و عيونك حمرة؟ فأجاب (شغل كصيير بابا! سعودي حبوا كلام كثير! رأس انا كّككسسر) فأصبح عمالي لا يتحركون إلا بعد حجز وعربون من شدة الطلب علي تلك التخصصات. درجة الدكتوراه - الجامعة الأوروبية الكونفدرالية السويسرية