عندما يصبح كل قارئ كاتباً وناقداً ومحرراً ومصوراً ومنفذاً وخبيراً في الشؤون الدولية فبإمكان الصحافة الورقية أن تنتعش لتضع خلاصة كل ذلك في طبق شهي شديد الجاذبية ، فالكلمة لن تنقرض, كما قال الأديب الصحفي الأستاذ محمد أحمد الحساني. وكل ما نفعله في الكلمة هو أن نقضم منها جزءا لنُسرع من تداولها على أطباق خفيفة في مواقع التواصل الاجتماعي لتتمدد قليلاً في الصحف الإلكترونية ثم تستقر وجبة دسمة في الصحف الورقية. أذكر عندما ظهرت الفضائيات الإخبارية كنا نحن وغيرنا في وكالات الأنباء الأكثر إشفاقاً من أن تسلب دورنا وتحيلنا إلى ذاكرة التاريخ, واستحضر هنا ما قاله الإعلامي السوداني البروفيسور علي شمو :البديل لا العويل, ومرت الأيام فإذا بالفضائيات الإخبارية وقد أصبحت تعمل مع الوكالات في تناغم وانسجام تام وتجتهد في محيطها لمزيد من التحليل والتغطيات المباشرة. إذن الذي يريد أن يقرأ في هذا الزمان يريد في الواقع المزيد من التفاصيل التي تبين مصداقية وشفافية ما وصل إليه من معلومات من مصادر متعددة ولذلك اهتمت الصحف والفضائيات بالتحليل واستقطاب الخبراء والمختصين والتدريب وتبادل الخبرات والمعرفة. أما الذي يريد الترفيه والأخبار المثيرة فقد اتاحت له ثورة الاتصالات مواقع متعددة لتناول وجبات خفيفة تحتوي على كثير من البهارات التي قد تسبب عسر الهضم ما لم يتدارك الأمر (بشرب) المزيد من الكلمات. اعتقد ولا أجزم أن الشباب عموما اتجهوا للوسائط الذكية ليس للتعبير عن أنفسهم فقط وإنما للتخلص من الضغوط التي تثقل كواهلهم وحاجتهم لمجتمع يلبي أحلامهم وطموحاتهم ويشعرهم بأهميتهم وفائدتهم بعد أن تصاعدت أرقام البطالة في العديد من دول العالم إلى أرقام مخيفة ربما بسبب الأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي. استقينا التاريخ البشري من رسومات الكهوف والكتابة على البردي وجلود الحيوانات والحجارة والورق وكتابات المؤرخين وفوق وأعظم من كل ذلك الكتب المقدسة.. وما زال بعض البشر يرسمون ويكتبون على الحيطان والأقمشة وما زلنا نفهم إشارات المرور بالرموز ونقيس نظرنا بالحروف وظل البعض يفضلون المذياع وآخرون يستمتعون بالسينما وهكذا تتنوع الاهتمامات وتتكامل الأدوار.. والأمر من قبل ومن بعد لله سبحانه وتعالى.