لم تمض سوى أشهر قليلة على بيت الوفاق الفلسطيني بين حماس والسلطة الفلسطينية حتى بدأ التصدّع يضرب جدرانه، بعد تصريحات للرئيس محمود عباس، هدّد فيها بوقف التعاون مع حماس. فهل انتهت فترة الود وعاد التوتر إلى البيت الداخلي؟ في خطوة مفاجئة للمتتبعين، صبّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس جام غضبه على حركة حماس، وهدد بإنهاء الشراكة معها إذا استمرت في تسيير قطاع غزة بحكومة ظل، وخلال زيارته الأخيرة للقاهرة حملها جزءاً من المسؤولية في الحرب الأخيرة على القطاع، بعد خطف ثلاثة شبان إسرائيليين، وما تبع ذلك من دمار هائل. حديث الرئيس الفلسطيني يضع حكومة الوفاق الفلسطيني التي تمّ تشكيلها في يونيو الماضي في موقف هش، خاصة وأنه ألمح إلى أن "حماس" لا تريد العمل على أساس دولة واحدة، ممّا يثير مخاوف من انقضاء فترة الود الفلسطيني وعودة التوتر إلى البيت الداخلي، بعد حرب فظيعة شهدها قطاع غزة، وكلفّت مقتل أزيد من ألفي فلسطيني، وتدمير البنية التحتية التي تعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية عديدة. *خلافات مستمرة لا تعود الخلافات بين "حماس" والسلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح إلى الحرب الأخيرة على قطاع غزة، بل هي قائمة منذ قرابة سبع سنوات، وما تبع ذلك من صراع بين الحركتين وصل مستوى المواجهات المسلحة، ثم تقسيم الأراضي الفلسطينية بين تلك الواقعة تحت نفوذ سلطة حركة فتح في الضفة الغربية، وتلك الواقعة تحت نفوذ حركة حماس في قطاع غزة. *مهمة صعبة لذلك يؤكد سليمان أبو ديه، مدير دائرة فلسطين في مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية في القدسالمحتلة، أن اختلاف الجانبين بشأن موضوع الشرعية هو الذي تسبّب في هذا الخلاف القوي. خاصة مع اختلاف التوجهات لدى الحركتين. ويقسّم أبو ديه القضايا الخلافية بين الحركتين إلى قسمين هامين: الأول له طابع سياسي خارجي تدور في فلكه قضايا المواجهة مع إسرائيل والعلاقات الإقليمية والدولية ومدى البعد السياسي لاتفاقية أوسلو الموقّعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1993. أما القسم الثاني فيرتبط أساساً بالقرار الفلسطيني الداخلي، وهو الموضوع الذي تفجّر بعد نهاية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. لم يكن الرئيس محمود عباس يريد أن تقوم "حماس" بإعطاء مبرّرات لإسرائيل، تشنّ بسببها حربا على غزة، خاصة وأن إسرائيل، كما يضيف أبو ديه، كانت تبحث منذ مدة عن فرصة لتوجيه ضربة عسكرية للقطاع. وفضلاً عن ذلك، سعى الرئيس عباس إلى أن توافق "حماس" على اتفاق وقف إطلاق النار بالشكل الذي طرحته المبادرة المصرية خلال الأيام الأولى للحرب، يلي ذلك التفاوض على رفع الحصار وفتح المعابر، غير أن "حماس" رفضت ذلك بشكل مطلق حينها حتى بلغ عدد الضحايا نحة ألفي فلسطيني معظمهم من المدنيين. *مخاوف متبادلة قيام حركة حماس بإعدام مجموعة من الفلسطينيين تحت ذريعة التخابر مع إسرائيل، واستئثارها بنصيب الأسد من القوة السياسية والعسكرية داخل قطاع غزة، أمر يدفع بمحمود عباس إلى التخوّف من استمرار وجود سلطتين على الأراضي الفلسطينية، حسب أبو ديه. كما يدفعه ذلك إلى التأكيد على ضرورة احتكام قطاع غزة من منطلق قانون فلسطيني موّحد، خاصة وأن حماس لم تقدم على أرض الواقع، ما يؤكد رغبتها في تسليم إدارة غزة إلى حكومة وحدة وطنية، ولا زالت تعتبر نفسها فوق القانون، أوأن نظرتها للأمور هي القابلة للتطبيق، كما يضيف المتحدث. *البيت الداخلي الفلسطيني لحركة حماس أيضا مخاوفها التي اتضحت بعد الحرب الأخيرة على غزة، يضيف أبو ديه، فقد تراجع نفوذها وشعبيتها بعد الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني في القطاع، كما ترفط غالبية الفلسطينيين الإعدامات التي قامت بها الحركة الإسلامية، زيادة على عدم قبول القوى الدولية وجود حماس في إدارة معابر غزة. وقد يعزلها هذا الوضع سياسياً، لاسيما بالنظر إلى رغبة محمود عباس في التواجد كمخاطب رئيسي مع القوى الدولية بعد حرب غزة الشرسة. أي تأثير على المفاوضات ورغم كل هذه الخلافات التي تهدد وحدة الصف الفلسطيني، فإن سليمان أبو ديه متفائل باستمرار الوحدة، وتحقيقها في عهد حكومة فلسطينية أخرى:" لا بديل لحماس وفتح عن التوافق، ولا يمكنهما إدارة الصراع مع إسرائيل إن لم يستمرا في حكومة وطنية موحدة. وترتيب البيت الفلسطيني بشكل أكثر مهنية هو السبيل الوحيد للخروج من هذا النفق" كما يشرح أبو ديه.