حدثتني صديقة ذات يوم بسؤال قائلة : ( نحن لا نشفى من ذاكرتنا لهذا نحن نرسم ولهذا نحن نكتب ولهذا يموت بعضنا أيضا) ً هذه العبارة لأحلام مستغانمي ، ما رأيك بها؟ وهل نحن أناس مصابون بمرض يُدعى الذاكرة؟ *** ربما لم أقرأ لأحلام غير روايتين لكنني بهذا العبارة وكأني قرأتها هي ذاتها الذاكرة .. مرض نصاب به مذ صرختنا الأولى التي نعلن بها ميلاد نفس جديد وكأننا بتلك الصرخة نفتح أبواب صندوق الذاكرة لنودعها أول نداءات الجوع وضحكات الوليد وبهجة نظرات الحنين التي تملأ تلك الأيدي التي تحتضننا بشغف ودفء ذاك المهد حينما تختلط أبجدية الدمعة وتتبدل دلالاتها لحظة بكينا وأخرى تجاوبنا مع تلك المداعبات وبضع أماني تدغدغ دنيا الأمنيات وربيع اللحظات ونكبر .. ومع رشفة لبن تكبر بداخلنا ذكرى رشفة أخرى نرضعها تلك الذاكرة هاهنا لهوت وهناك سقطت لا حقت تلك الفراشة والتقيت بتغريدة العصفور على مهدي وها قد عرفت الأرض أولى خطواتي وتمادت بالالتهام ذاكرتي فذاك يحبني والآخر يلاعبني وتلك أمي ترضعني وأبي يربت على رأسي ليعلمني بوجوده ويعدني بأسعد أيامي .. كبر العالم من حولي وفتحت ذاكرتي أبوابا جديدة كلمة .. نظرة .. موقف .. صدى .. ربما مشهد تبتلع كل أحداثي بنهم ويا ليتها تنسيني إياها كم هي فجعة تلك الذاكرة .. نعم يا أحلام صدقت لا نشفى من تلك الذاكرة التي تسجل كل ما نرى ونسمع وكل ما خالج سرّ النفس لكنها لا تهضمه بل تراكمه دون انفجار موعود إلى اليوم .. وأنا أكتب عن الحب مما تنسجه خيالاتي فأرسم لحظة لقاء وأنقل نبأ فراق وأحكي وطأة ألم وأعيش روضات الحنين ورضاب معسول من تلك الكلمات لكنني لم أعيشه أبدا فكان أمنية على سرج الخيال ترتعش على سطح القلم فينتفض لها السطر ويعلن انبثاق حرف وكل ذلك كان نتاج ذاكرة نيف وعشرين من العمر لم تشفى من تخمة الأحداث ولم تذق لقمة النسيان المرض ليس فينا بل هي المريضة هي التي تتوجع بما فيها أتعلمين يا صديقة .. بالأمس شهدت موقفا يدمي القلب أوجعني حقا أوجعني .. وبخلت عليّ تلك الذاكرة العجوز بنسيانه بل للأسف أضافت على أوجاعي لحظات من أسى أيام مضت كانت مدفونة بها امرأة تضحي بعمر من الحب يقارب الخمسة والثلاثين عاما ويزيد من أجل أن تسعده تهدي قلب هذا العمر لأخرى لترسم ابتسامة على شفاة رجل الستين عاما وقد خطى الشيب في ملامحه حتى أفنى ما بها من بقايا شباب هكذا في غمضة عين .. أكان هذا حبا أم جنون تضحية أم سذاجة كيف غفلت عنها تلك الذاكرة التي أجزم بقرون من اللحظات الجميلة والمريرة التي تقاسمتها مع تلك الذاكرة الأخرى كيف أحسنت الفكاك من ذاك الداء لتودع قلبها في حضن امرأة أخرى وذاكرة وسادة تلك الليل هل ماتت أم أصابها صمم من صوت تلك الزغاريد المهنئة وتلك الأيدي المصافحة التي أتت لتبارك ولترى ضياع عمر الحنين إنه ينام في جوف أخرى أهديتها أنا له .. أيعقل هذا الجنون ..؟؟ أرأيت إنها هي المريضة وإلا لصكت وجه تلك المرأة وأيقظتها قبل أن تزج بنفسها في غياهب الوحدة وحرقة الشوق الدفين وها هي تموت وللنفس مجرى في أحداق الوريد من سيحاجيها هذا المساء أين صوت تلك التنهيدات أين هي تلك الذاكرة التي تحتضن تاريخهم أما مازالت نائمة **** أرأيت .. عبارة تحكي واقعا لكنها هي المريضة ولسنا نحن نعم تعذب وتوهم وتسجل زفرات الحنين وترددات الأمل ويقظات الضمير وإلا ما غابت بدفاتر القمر من عمر خمسة وثلاثين عاما إنها ذاكرة مصابة بمرض يدعى " نحن " يدعى " سعادتنا " لحظات الصفاء في أيامنا تقتلها إنها ذاكرة وجعى *فاطمة سرحان الزبيدي