الشعراء طبقاتٌ ورتب ..يتجانسون في كتابة الشِعر ويختلفون نسبةً لاختلاف طرق ظهور هذه المَلكة ونسبةً لمعيار الثقافة لدى مالكها.. وأول هذه الطبقات: طبقة شعراء"السِقوة المثقفين" إذ يُقصد بالسِقوة : الشِعر الذي تسقيه الجنّ للإنسان دونما إدراكٍ أو درايةٍ منه.. وهؤلاء تجد أنّ الفرد منهم ينظم الشِعر في كل وقت وينزل عليه نزولاً أشبه مايكون بالإلهام تارة ..وأشبه مايكون بالغيث تارةً أخرى..وتراه لايتكلف في جلب ألفاظه ولا في استيحاء معانيه ..بل يكتفي بترتيب ماسُقي إليه من نظم و استبدال بعض ألفاظه وتنسيق معانيه وترتيب ورود أبياته ..ولأنه مثقف فتراه يحرص على أن تعكس نصوصه أبعاد ثقافته المترامية فتراه يبث رؤاه وآراءه خلال نصّه..كما تتميز هذه الطبقة بأن أصحابها من ذوي النَفس الطويل فلا تأتيك قصيدته بأقل من ثلاث عشرة بيت..وحين تُقدم قصيدته فإنها تأتيك على طبقٍ من نظمٍ فارع..ومعانٍ باسقة..وأفكارٍ ورؤى تتباين في الروعة وتتموسق في الحكاية عن الجمال. أما ثاني هذه الطبقات:فهي طبقة الشعراء "المتكسّبين المثقفين" وهؤلاء يجيئهم الشعر بالتكسّب والطلب..إذ يطلبونه فيأتيهم وهو يمشي على استحياء ...وتجد أنهم كلما تزوّدوا بالقراءة وحصّنوا فكرهم بالوعي كلما ازدادوا ألقاً وجمالاً وبهاء..وشِعرهم هذا أشبه مايكون بالوراثة..إن طلبوه جاءهم يمشي ولا يهرول..وإن تركوه رفرف على سمائهم مرةً في العام.. أما ثالث هذه الطبقات: فطبقة شعراء "السِقوة" وهؤلاء يجيئهم الشِعر كما يجيء شعراء الطبقة الأولى..إلا أنهم لايتكلفون في ترتيبه ولاتنظيمه ولاتنميقه..بل ينقلونه نقلاً كما جاء إليهم ..والشِعر في نظرهم وحسب رؤاهم ليس إلا ضرباً من "فطرة" لايُشترط فيه أن يؤدي رسالة ولاأن يبث وعياً ولاأن يحكي عن هموم وأوجاع وقلق أمّة.. أما رابع هذه الطبقات: فهي الطبقة "المتكسّبة" للشِعر ..وهذه لايجيئها الشِعر ولاينهمر عليها انهمارا..بل تطلبه وتسعى إليه..فإن طلبته من ذاتها جاءها حينئذٍ إما مكسوراً أو معوجاً أو جاء يشتكي من عاهة ..ومع ذلك فهي لاتتوانى في الإعلان عنه ابتهاجاً بميلاده مثلها مثل غيرها من الطبقات .. وأمّا إن تأخر عنها ولم تحصل عليه من ذاتها فهي تطلبه إما عنوةً بالسرقة إذ تسرق نصوص غيرها ..أو أن تدفع في سبيله الأموال وتقطع الشيكات والعهود كلّ هذا بغية نيله والحصول عليه ..وهي إذ تسعى لهذا فهي إنما تسعى للشهرة ولإبراز ذاتها وسدّ نواقصها..وهؤلاء ينطبق عليهم قول الكاتب ميخائيل نعيمه( وشاعرٌ من حقه أن تصفعه) بل ويستحقون فوق هذا الصفع أن يُنسف كل إنتاجهم هذا الذي يفتقر للاستقامة وتمتلئ أعضاءه عيوباًوعاهات. - كاتبة وشاعرة سعودية