كثيرة هي المواقف المحرجة التي نصطدم بها في هذه الحياة أوتلك التي نتسبب فيها وكثيرة هي الأقاويل والشائعات والأكاذيب في زمن ثورة المعلومات والاتصالات. استمعت مرة إلى أحد أصدقائي يقول بثقة إن الجرح الغائر أقل ألماً من السطحي لأن الأول يقطع شبكة الاحساس أما الثاني فيضرب في العروق.. لم يكن صديقي طبيباً ولكن كالعادة تمتلئ أدمغتنا بكثير من الأمثال والأقوال المأثورة التي لا نقوم بتمحيصها وتصفيتها وإدراك الحكمة منها وإنما نقذف بها في كثير من المواقف فتكون وبالاً علينا. فعلى سبيل المثال يقول المثل الانجليزي (لا دخان بلا نار) ولكنني اتفلسف وأقول لا نار بلا دخان ..ثم أقدح الولاعة فأشاهد النار بلا دخان وانظر للسيارات فأرى دخانا بلا نار وأتذكر معمل المدرسة الثانوية وتجربة احتراق الفسفور ودخانه الكثيف بلا نار.. ويقودني تفكيري إلى مايواجهه المعاقون من معاناة نفسية وأبكي في صمت وذكرى حادثتي مع زميلتي تطفح على السطح. كنت قد خرجت من امتحان مادة في دبلوم الإعلام العالي واتجهت نحو عدد من زملائي وزميلاتي ومن بينهن زميلة كفيفة وهم يتحلقون تحت ظل شجرة في فناء جامعة الخرطوم سألوني:كيف هو الامتحان؟ فاجبت :" والله العميان يحله" انطلقت العبارة كرصاصة طائشة أصابت قلوب الجميع وبالذات زميلتي الكفيفة التي وهبها الله جمال وصفاء النفس وطهارة ونقاء الروح فسمت إلى مراق بعيدة وهبطت أنا إلى درك سحيق..وأنا متعلق بحبال التوبة. وموقف آخر من مواقف عديدة مررت بها في صحيفة (البلاد) فقد كنت أرسم أولى خطواتي واسمي ما زال مكتوباً بقلم الرصاص عندما جاء إلى المقر الرئيسي رجل مهندم ومحترم يحمل خبراً واتجه نحوي وطلب مني نشره في (مجتمع البلاد) مع صورته الشخصية المرفقة. قرأت الخبر وكان مفاده أنه قرر وعروسته تمضية بقية شهر العسل في إندونيسيا وبعد أن اطمأن على نشره شكرني وغادر. ربما كتبت في العنوان(فلان في القفص الذهبي) أو (فلان وعروسته إلى إندونيسيا) وربما (تهانينا.. وألف مبروك) وسلمته لمن يجيزه للنشر. المهم في اليوم التالي رن جرس الهاتف ورفعت السماعة وإذا برجل متهدج الصوت من شدة الغضب يمطرني بالأسئلة ..ماذا فعلتم؟ كيف نشرتم هذا الخبر؟ سوف أقاضيكم ... قلت له وأنا في غاية الاضطراب أي خبر؟ قال لي خبر فلان وعروسته..صمت لبرهة ثم واصل: هذا زوج ابنتي وبينهما خصام ومشاكل ويريد أن يغيظها بهذا الخبر.. بقيت طوال اليوم والأيام التالية خائفاً أترقب..ولكن الله ستر. أدرك تماماً أن الكلمة سلاح خطير وتصديق كل ما يقال ويكتب خطأ فادح فلا بد من ضبط العاطفة بالعقل ولكنني ما زلت وللأسف يخونني التعبير أحيانا فاخدش مشاعر البعض خاصة حين ينفلت العقال في ساعات المزاح البرئ.. وربما كان قاتلاً ..