توقعت اللجنة المنظمة لمهرجان جدة التاريخية ارتفاع نسبة الزوار اليومية لمنطقة البلد المركزية بمحافظة جدة من 50 ألف زائر خلال الأيام الاعتيادية إلى 70 ألف زائر طوال أيام المهرجان , بزيادة بنسبة 40 % من الحصة الإجمالية للزيارات ما بين المتسوقين والسياح وأصحاب المحال التجارية . وأرجعت اللجنة في بيان لها أمس ذلك الارتفاع إلى عدة عوامل مختلفة منها أن المهرجان يعد النسخة الأولى في تاريخ المنطقة التاريخية، وهو ما سيشكل إقبالا كثيفاً من قبل أهالي عروس البحر الأحمر، الذين يعشقون هذا الجزء القديم من مدينتهم ، وتنوع الفعاليات التي أعلنت عنها اللجنة المنظمة في وقت سابق ، التي جمعت في خصائصها كل ما له صلة بتراث "الثقافة الحجازية"، التي تجاوزت عددها أكثر من 46 فعالية التي خاطبت في محتواها كل الشرائح العمرية من الرجال والنساء والأطفال والشباب والفتيات. وأفادت اللجنة إن إجازة الربيع ستكون فأل خير على مهرجان النسخة الأولى للتاريخية، وعامل استقطاب كبير للزوار من مختلف مدن ومحافظات المملكة , إضافة إلى الزوار القادمين من خارج البلاد, مبينة أن الكثير ينتظر أطلاق شارة بداية المهرجان للتعرف على تراث المنطقة والحقب التاريخية التي تعاقبت على هذا الجزء الذي يحوي بين جدرانه تاريخ أكثر من 2600 عام، وهو ما يمثل قيمة حيوية للمهتمين بجدة القديمة. وبينت أنه حالما تذكر المنطقة التاريخية بجدة فإن جميع الأنظار تتجه صوب مساجدها العتيقة، التي تعد ملمحاً مهماً في البناء المعرفي والثقافي للمنطقة، كما يعد التعريف بتلك المساجد أساساً مهماً لدى مخططي المهرجان لتعريف بالقيمة التاريخية لها ويؤكدون أنها عنصر تواصل سياحي أساسي في برامج المهرجان، منذ اليوم الأول للمهرجان في الخامس عشر من ربيع الأول بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار , وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة مكةالمكرمة. واعتبرت مسجد "الباشا" أحد تلك المساجد العتيقة الواقع ضمن امتداد شارع الملك عبدالعزيز، وتحديداً في حارة "الشام"، ويختزل ثلاثة قرون من معلومات التأسيس، ومن بناه هو والي جدة في القرن الثاني عشر في العهد العثماني الأول أبو بكر حسين باشا، وهو ضمن الأوقاف التي أسسها عام 1147ه وتورد الهيئة العامة للسياحة والآثار في موقعها الالكتروني الرسمي، أنه كان للمسجد مئذنة أعطت المدينة معلماً أثرياً معمارياً وقد بقيت على حالها حتى 1978 م عندما هدم المسجد وأقيم مكانه المسجد الجديد الحالي. وعند الحديث عن مسجد الشافعي أو الجامع العتيق التي يتجاوز عمره اليوم أكثر من ثمانية قرون تقريباً (800 عام)، فهو يقع في زواريب أقدم حارات جدة القديمة بجانب سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس، وإلى الشرق منه توجد سوق النسيج والملابس المعروفة بسوق البدو التاريخي، وهو مسجد فريد في عمارته مربع الأضلاع ووسطه مكشوف للتهوية من جو جدة الخانق في الصيف. وبني الجامع عام 648 هجرية على يد الملك المظفر سليمان بن سعد الدين شاهنشاه الثاني أحد ملوك اليمن الأيوبيين الذي كان شافعي المذهب ، وعلى هذا الأساس جرى تسميته ب"الشافعي" ثم جرى تجديد بنائه عام 940 هجرية على يد تاجر قدم من الهند يدعى "الخواجة محمد علي" إلا أن التجديد لم يشمل مئذنته , وتعهد بتجديده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - ، حيث تم جلب متخصصين عالميين أبرزهم خبير التراث العمراني العالمي صالح لمعي للوقوف على أعمال الترميم , ويقال أن مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - أدى صلاة الجمعة فيه , ويشير المؤرخ والأديب الراحل عبد القدوس الأنصاري بأن مئذنة الجامع تعد أقدم مئذنة في منقطة الحجاز. وأما منبر الجامع الذي بني عام 940 هجرية، فهو خشبي درجه يوازي حائط القبلة، كما يوجد تجويف بيضاوي بداخل المحراب يسمى "الجامة" حفر عليه اسمان الأول من بناه السلطان عبد الحميد أحد السلاطين العثمانيين، والثاني المعماري محمد أفندي الذي سبق أن رمم المسجد الحرام بمكةالمكرمة. ووفق كتاب "جدة .. حكاية مدينة" فإن أعمدة المسجد جلبت في صدر الإسلام من مدينة نيسة بالحبشة (إثيوبيا حاليا) عند الفتح الإسلامي، وهي مصنوعة من الساج بما يشبه الرخام المخروط المائل إلى الحمرة. أما جامع المعمار يحتل المرتبة الثانية في خارطة المساجد الأثرية بالمنطقة التاريخية ويصل عمره اليوم أكثر من 340 عاماً، وبني هذا الجامع أحد ولاة جدة العثمانيين ويدعى مصطفى معمار باشا، الذي لقب الجامع باسمه وصلى فيه بانتظام ، وتجد في محراب الصلاة تاريخ الإنشاء محفوراً في القمة العلوية من المحراب بالتاريخ الهجري وهو عام 1093, ويقع في شارع العلوي غرباً بمحلة المظلوم القريبة من برحه نصيف الشهيرة ، وهو مسجد كبير ومرتفع كثيراً عن مستوى الشارع. ولروعة هندسته القديمة فإن الوصول للجامع يكون عبر طريقين، وذلك وفقاً للجهات الجغرافية التي يأتي منها المصلون، فمن جاء من جهته الشرقية يكون عليه صعود الدرج ، ومن أتى من الجهة الشمالية يصل إلى باب مدخله مباشرة، وهذا من السر المعماري القديم ولم تتغير الملامح التاريخية للجامع حيث مازال (البئران) اللذان يمدان الجامع بالماء ويبلغ عمقهما أربعة أمتار وطول امتدادهما سبعة أمتار موجودان لليوم، وتشير بعض المصادر أن للبحر كان ملاصقاً للجامع من جهته الغربية، وكان المصلون يتوضؤون منه في بعض الأحيان. وأما في الداخل فلا يزال الطراز العثماني العمراني، واضحة للعيان، فما أن تلج للجامع تشعر وكأنه صورة "طبق الأصل" لما عليه الجامع النبوي الشريف قبل التجديدات التي طرأت عليه في العهد السعودي، ويظهر ذلك في القناديل الضوئية والأسقف الخشبية العلوية وتلك المساندة بين جدران العواميد التي لم تشوهها عوامل التعرية لجودة الخشب المستخدم في عمليات البناء وقبل بدء الترميم الحكومي لعبت شخصيتان حجازيتان هما الشيخان الراحلان حمزة جمجوم وعبد الرحمن نصيف دوراً مهماً في الحفاظ على كيان هذا الجامع العتيق، وذلك عبر الترميم الذي أجرياه على نفقتهما الخاصة. ويزين جدران الجامع من الداخل حزام طويل محفور عليه آيات قرآنية، إضافة إلى القبة الخشبية الخضراء، والمكبرية الخشبية التي لا تزال باقية لليوم، وكان يؤذن من فوقها ويردد المؤذن التكبيرات من خلف الإمام.