محمد سليمان الزواوي .. تواجه إسرائيل واقعاً يؤكد عدم شرعية وجودها ، وفي النهاية تحويلها إلى دولة منبوذة، وفي هذا التقرير يتتبع معهد "ريؤت" العبري تلك الاستراتيجية ومكوناتها، حيث واجهت إسرائيل في السنوات الماضية هجمات حادة على شرعية وجودها، وهناك شواهد عديدة على تدعيم تلك الاستراتيجية والإطار الأيدلوجي الخاص بها، وذلك منذ نهاية مؤتمر دوربان الأول في 2001، كما حظي هذا الاتجاه بتدعيم سياسي كبير بسبب عدم التقدم المنظور في عملية التسوية السياسية بين إسرائيل والجانب الفلسطيني، وما فاقم ذلك أيضًا هو عملية الرصاص المصبوب على غزة.وحتى الآن ربما لا تمثل تلك الجماعات التي تهدف نزع الشرعية عن إسرائيل سوى ظاهرة هامشية في السياسات الغربية، وبالرغم من أن تلك الجماعات تقول أنها تحتج على السياسات الإسرائيلية، إلا أنها كثيرًا ما تتخطى حدود النقد المسموح به لتلك السياسات إلى محاولة تقويض حق إسرائيل في الوجود، وبالتالي استطاعوا التأثير على شرعية إسرائيل على الساحة الدولية. وتهدف تلك الجماعات إلى عزل إسرائيل دوليًا ثم تحويلها في النهاية إلى كيان منبوذ، من خلال تشويه صورة البلاد وتمثيلها في صورة شيطان، ثم بعد ذلك الترويج إلى مقاطعة إسرائيل وفضحها وفرض عقوبات عليها، ثم إطلاق حملة قانونية لملاحقة الدولة ومواطنيها، وقد تكشفت العديد من العوامل والمكونات لتلك الاستراتيجية مؤخرًا، وفي هذا التقرير نعرض لأهمها. معالم الاستراتيجية: تحويل إسرائيل إلى كيان منبوذ: مخاطبًا المؤتمر الدولي عن فلسطين في لندن صرح بيتي هانتر من حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا قائلاً: "إن هدفنا هو عزل إسرائيل وتحويلها إلى دولة منبوذة" (المؤتمر الدولي عن فلسطين، لندن 5/12/2004). متحدثًا في كلية هامبشاير أوضح علي أبو منة قائلاً أن "ما أدى إلى تغيير ظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا هو أنه فقد شرعيته، وعندما يفقد نظام ما شرعيته فلا تستطيع كل أسلحة العالم أن تحميه، وقد بدأنا نرى بوادر فقدان شرعية الكيان الصهيوني (في مؤتمر كلية هامبشاير في 21/11/2009). أثناء عملية الرصاص المصبوب أفادت "الشبكة اليهودية العالمية لمقاومة الصهيونية" بأنه "إذا لم تنزع الشرعية عن تلك الأيدلوجية [الصهيونية] وإذا لم يتم هزيمتها، فسوف يستمر تصاعد العنف في الشرق الأوسط" (مبادرة التحرك من أجل غزة في 9/1/2009). شيطنة إسرائيل: إن تحويل صورة إسرائيل إلى شيطان يوفر تبريرات أيدلوجية لاتخاذ خطوات ملموسة تهدف إلى نقض شرعية الدولة الإسرائيلية، وتلك الشيطنة متجذرة في الأدبيات التي تتحدث عن إسرائيل باعتبارها كيان استعماري غير شرعي ولد في الخطيئة ويمارس النازية والعنصرية والفصل العرقي، وتلك الأدبيات انتشرت في الكثير من المجالات، مثل التظاهرات الشعبية والاحتجاجات العامة وفي وسائل الإعلام وفي النشاطات الجامعية. فقد اندلعت مظاهرات في البرازيل ومدريد وبونيس أيرس رفع فيها لافتات قارنت بين الزعماء الإسرائيليين وما يفعلونه بالمذابح النازية وما وقع فيها (يديعوت أحرونوت في 11/12/2009). تم تنظيم العديد من الفعاليات التي ترثي غزة نظمتها التجمعات الفلسطينية في خمس جامعات بلندن، ومن المتوقع أن تستمر في يناير وفبراير من عام 2010 (جيروزاليم بوست في 21/1/2010). تدشين أسبوع "التمييز العنصري الإسرائيلي" والذي يعقد سنويًا وتنظمه مجموعات معادية للصهيونية، والتي تهدف إلى عقد مقارنة بين إسرائيل وبين نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا لمقاطعته. وفي عام 2009 توسع أسبوع التمييز العنصري الإسرائيلي ليشمل 27 مدينة في عدة دول، بما فيها إنجلترا وأمريكا وجنوب إفريقيا والضفة الغربية والمكسيك واسكتلندا والنرويج (جيروزاليم بوست 29/1/2009). تم نشر عدة مقالات في الصحف العالمية استهدفت وصف إسرائيل بالدولة العنصرية المتورطة في سلوكيات تمييز وتفرقة عنصرية (عدة مقالات في الجارديان عن إسرائيل والفصل العنصري في 6/2/2007 على أسبوعين). عقدت جامعة بطرسبرج مؤتمرًا بعنوان "كشف ممارسات الفصل العنصري الإسرائيلي" (لجنة بطرسبرج للتضامن مع فلسطين في 23/10/2009). نشرت واحدة من أكبر الصحف الأسبوعية السويدية موضوعًا على صفحتين يركز على مزاعم بأن الجنود الإسرائيليين يخطفون الشباب الفلسطيني من غزة والضفة ثم إرجاعهم إلى ذويهم في صورة جثث منزوعةمنها بعض أعضائها الداخلية (أسبوعية أفتونبلاديت في 26/8/2009). اتهم مايريد ماجوير الفائز بجائزة نوبل للسلام دولة إسرائيل بأنها تمارس سياسات "تطهير عرقي" في شرق القدس (وكالة الأنباء الفرنسية في 21/4/2009). الحملة العالمية لمقاطعة وتعرية إسرائيل وفرض عقوبات عليها (BDS): وفرت محاولات شيطنة إسرائيل الأرضية الأيدلوجية والأدبية لمتابعة سياسات تلك الحملة العالمية في المجالات الأكاديمية والاقتصادية والثقافية والرياضية والأمنية. وبالرغم من أن تلك الحملة شارك فيها العديد من الأكاديميات والنقابات العمالية والجماعات الكنسية حول العالم، إلا أنها لم تقم سوى ببعض الممارسات المحدودة حتى الآن، ولكن أثبتت تلك الجهود نجاحها الكبير في حشد الرأي العام وتحريك النشطاء ضد إسرائيل، كما استطاعت بكفاءة أن توحد معارضي الصهيونية مع منتقدي بعض السياسات الإسرائيلية. ويتمثل الخطر على إسرائيل من مثل تلك الحملات في عقد مقارنة بين إسرائيل وبين جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري، كما استطاعت تلك الحملات أن تخترق الضمير العام والسياسي في مختلف البلدان، وبالنظر إلى أن إسرائيل تعتمد بصورة كبيرة على نشاطها المتبادل في المجالات التجارية والعلمية والأكاديمية والتقنية مع الدول الأخرى، فإن تلك الحركات التي تهدف إلى عزل إسرائيل يمكن أن تمثل تهديدًا استراتيجيًا على الدولة العبرية.ويقود تلك الحملة بصورة عامة منظمات غير حكومية، وفي مثال كاشف في المنتدى الاجتماعي العالمي والذي يعد مظلة لمجموعات يصل عددها إلى مئات من المنظمات الاجتماعية المضادة للعولمة ومن المجموعات الحقوقية أعلن ذلك المنتدى أنه سوف يطلق حملة تدعو كافة منتسبيها إلى عزل إسرائيل (يديعوت أحرونوت 30/3/2009). كما تم اتخاذ مبادرات مشابهة في المجالات الأكاديمية والثقافية والعلمية والأمنية والرياضية والاقتصادية. المجالات الأكاديمية: عقد مجلس جامعة ترونديم في النرويج تصويتًا بشأن تبني مقاطعة عامة ضد إسرائيل، وقبل ذلك بثلاثة أيام استضافت المؤسسة محاضرة عن استخدام إسرائيل لمعاداة السامية كأداة سياسية (هاآرتس 20/10/2009). أطلق مجموعة من أستاذة بالجامعات الأمريكية الحملة الأمريكية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (ويكلي ستاندرد 20/3/2009). مرر الموظفون الجامعيون بالاتحاد الكندي اقتراحًا يدعو إلى المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، ودعا موظفو إحدى الجامعات الكندية إلى الضغوط على مؤسساتهم التعليمية لقطع أية علاقات مالية مع إسرائيل (ذي ستار الكندية 22/2/2009). أصدر 400 أكاديمي بريطاني خطابًا يحثون فيه على مقاطعة وتعرية إسرائيل وإصدار عقوبات ضدها (الجارديان البريطانية في 26/1/2009). بذلت محاولات عديدة لفرض مقاطعة أكاديمية على إسرائيل في المملكة المتحدة منذ عام 2003، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو نجاحهم في تمرير طلب من أكبر اتحاد للمحاضرين في بريطانيا لدعم مقاطعة المحاضرات والأكاديميات الإسرائيلية التي لا تعلن تبرؤها من الممارسات العنصرية الإسرائيلية، ولكن هذا الطلب رفض بعد ذلك (الجارديان 30/5/2005).