بعد النجاح منقطع النظير الذي اصابته نسخة عام 2009 من رالي دكار في ضيافة قارة اميركا الجنوبية، وتحديدا تشيلي والارجنتين، علت اصوات في "القارة السمراء" تنادي بضرورة اعادة الحدث الى "مهده الافريقي" خصوصا ان ثمة ميلا واضحا لدى الجهة المنظمة (شركة اموري سبورتس)، لاقامة السباق مجددا خارج "قواعده التاريخية". وكان رالي دكار الغي للمرة الاولى منذ ولادته عام 1979 في السنة الماضية (2008) لاسباب امنية فرضت نفسها بقوة على الساحة بعد ورود تهديدات من قبل تنظيم "القاعدة" بالقيام باعمال ارهابية في موريتانيا التي كانت ستحتضن اكثر من نصف مراحل السباق. واخذت اللجنة المنظمة في قرارها بعين الاعتبار التشنج الدولي السياسي الحاصل حينها، ومقتل اربعة سياح فرنسيين في 24 ديسمبر 2007 بعبوة ناسفة في موريتانيا مع العلم ان الاخيرة خصصت 3 آلاف جندي لحماية الحدث. وذكرت الجهات المنظمة ان التهديدات الواردة من قبل المجموعات الارهابية اشارت الى السباق مباشرة مع العلم ان الرالي شهد الغاء مراحله المقررة في مالي في نسخة 2007 بسبب تهديدات من النوع نفسه. وكانت تلك المرة الاولى منذ 30 سنة، اي منذ ان ابصر السباق النور، يغيب فيها رالي دكار عن جدول ابرز الاحداث الرياضية العالمية، ما ترك علامة استفهام كبيرة حول مستقبله، قبل ان "يعود الى الحياة" عام 2009، ولكن هذه المرة في تشيلي والارجنتين وليس في "القارة السمراء" رغم ان دولا افريقية عدة ابدت استعدادا لاستضافة الحدث كمصر وليبيا وتونس غير ان الشركة المنظمة فضلت القارة الاميركية اللاتينية عليها كلها. ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان تشيكيا والمجر ابديتا ايضا رغبة في استضافة السباق ليقام بالتالي في اوروبا الوسطى، ولكن دون جدوى. وكانت السلطات في العاصمة الموريتانية نواكشوط عبرت عن اسفها البالغ لالغاء سباق 2008، وقالت الحكومة حينها ان القرار لا علاقة له بالواقع الامني في البلاد، مشيرة الى ان اراضيها ظلت محطة مهمة وامنة في الرالي على مدى الثلاثين عاما الماضية رغم الاضطرابات الامنية التي شهدتها المنطقة والعالم. ورفضت الحكومة المبررات المقدمة لالغاء السباق قائلة انها غير موضوعية. ورغم ان وزير الرياضة الفرنسي برنار لابورت اشار في 11 يناير 2008 الى ان سلطات بلاده لن تألو جهدا من اجل الاحتفاظ بجوهر السباق والمتمثل بارتباطه بالاراضي الافريقية، ورغم تأكيده على ان تنظيم سباقات من هذا النوع في المستقبل خارج "القارة السمراء" سيمس بالطابع الحقيقي والتاريخي لهذه الاحداث، فان رالي دكار اقيم في اميركا الجنوبية، كما ان فكرة العودة الى افريقيا لم تختمر حتى الساعة في ذهن الشركة المنظمة. وامام هذا الواقع، بدأ المسؤولون في السنغال دراسة فكرة اقامة سباق اخر للحلول مكان رالي دكار. وكشف الاتحاد المحلي لرياضة السيارات والدراجات النارية عن مشاريعه واشار على لسان رئيسه ديالو كانيه زاتور الى انه "في حال لم يعد رالي دكار الى السنغال فان سباقا اخر سيأخذ مكانه"، دون ان يعطي تفاصيل اضافية. من جهته، قال اندريه ماتيو، الممثل الرسمي للسباق في البلاد، انه يأسف لعدم حصول اي اتصال مع الشركة المنظمة حتى الساعة. وكانت "اموري سبورتس" اشارت قبل ايام الى ان حظوظ تنظيم السباق مجددا في اميركا اللاتينية عام 2010 مرتفعة جدا، واضاف ماتيو: "قرارات الشركة هي الحاسمة في هذا الشأن. المعلومات الاخيرة التي وصلتني تتحدث عن انها لن تعيد السباق الى افريقيا طالما ان الاسباب التي دعت الى تنظيمه خارجها ما زالت قائمة". وكانت السنغال نظمت سباقا جديدا في يناير الماضي تحت مسمى "سباق افريقيا" (افريكا ريس)، وقال زاتور: "لم يجذب (السباق) الكثير من السائقين الا ان رالي دكار نفسه بدأ بهذا الشكل ايضا قبل ان يصيب نجاحا كبيرا. نحن لسنا مرتبطين بعقد زواج مع احد"، في اشارة الى "اموري سبورتس". اما يان لو مونير، المدير العام المنتدب للشركة المنظمة، فقد صرح ان ثمة رضا تاما من الشركة ازاء تنظيم سباق 2009 وان هذا الواقع يستلزم استمرارا منطقيا لاقامته في اميركا الجنوبية، واضاف: "فرصة العودة (الى اميركا الجنوبية) كبيرة للغاية. دكار 2009 كان ناجحا بالمقاييس كافة وحظوظ اعادة الكرة مرتفعة جدا". وبهذه الاقوال، لم يقفل لو مونير الباب نهائيا امام العودة الى افريقيا مشيرا الى ان هذه القارة هي في جينات الرالي غير ان اقامة سباق 2010 على اراضيها لا تبدو منطقية في الوقت الراهن. من جانبه، اكد اتيان لافينيي، مدير السباق، ان "رالي دكار يزور اميركا الجنوبية ولم يترك افريقيا"، واضاف: "الغاء هذا السباق عام 2008 كلفنا خسائر بقيمة 10 ملايين يورو، لكن قرارنا كان صائبا لانه بعد ثلاثة اسابيع وقع هجوم ارهابي في وسط نواكشوط". يذكر ان مسار رالي دكار 2009 شمل مراحل رملية عدة، الامر الذي اعتبر مهما جدا خصوصا لناحية مقارنته بالمسار الصحراوي في افريقيا والذي يشتهر بوعورته. واكد مدير المعهد الوطني للرياضة في تشيلي، خايمي بيتزارو، ان تنظيم اول "رالي دكار" في القارة الاميركية اللاتينية لم يكن له اي تاثير سلبي على البيئة في المنطقة التي استضافت احداثه. وكشف بيتزارو ان "وزير البيئة في تشيلي واللجنة المنظمة للسباق اتفقا على ثلاث نقاط تتمثل اولا في اعتماد طرقات موجودة في الاصل لمسار الرالي بعيدا عن امكان شق طرقات جديدة، وثانيا في الدفاع وتامين الحماية الصارمة للموقع الذي يستضيف الحدث، وثالثا في التخلص بصورة سليمة من مخلفات المركبات المشاركة كالزيوت وقطع الغيار وغيره وذلك بشكل يومي". يذكر ان الحادثة المؤسفة الوحيدة التي افرزها سباق 2009 تمثلت في وفاة الدراج الفرنسي المخضرم باسكال تيري الذي اختفى خلال المرحلة الثانية في 4 يناير الماضي بين سانتا روزا وبويرتو مادرين قبل ان تكتشف جثته في السابع منه على بعد 15 مترا من دراجته على اثر اعمال بحث قيل انها بدأت متأخرة رغم انها استمرت لمدة 56 ساعة. وثمة ما يهدد، وان بصورة ضيقة، اقامة السباق في اميركا الجنوبية ويتمثل في ان يثبت اتهام التقصير في عمليات البحث عن الدراج الراحل على السلطات المحلية. ومن المنتظر ان يعلن القائمون على الرالي مصير اقامة نسخة عام 2010 منه قبل نهاية شهر فبراير الحالي مع العلم ان عددا كبيرا من السائقين ابدى رغبة في اعادة خوض غمار التجربة الاميركية الجنوبية. اقيم رالي دكار للمرة الاولى سنة 1979، وسجل الغاء بعض من مراحله بين الحين والاخر الا ان عام 2008 شهد الغاءه برمته للمرة الاولى في تاريخه. رالي دكار، او كما يحلو للبعض تسميته "دكار"، كان يعرف في السابق تحت مسمى "باريس دكار"، اما اليوم فيعرف رسميا باسم "لشبونة دكار"، وكان من المقرر ان تنطلق نسخة 2008 منه من العاصمة البرتغالية لشبونة على ان تشكل دكار في السنغال نقطة الوصول. ويعرف السباق، الذي يقام على مسارات صحراوية صعبة غير ممهدة وسجل العديد من حالات الوفاة والاحداث المؤسفة طيلة تاريخه، باتاحته الفرصة امام الهواة والمحترفين على حد سواء للمشاركة في منافساته، مع العلم ان الهواة يشكلون في العادة 80 في المئة من مجمل المشاركين. وبالنسبة الى مراحل السباق، فهي تختلف بطبيعتها مع العلم ان على المشاركين قطع مسافة تتراوح بين 800 و900 كيلومتر في اليوم الواحد. وفي بداياته، كان الرالي ينطلق من العاصمة الفرنسية باريس (حتى 1995) ويختتم في دكار بعد نقل المشاركين ومركباتهم من اوروبا الى افريقيا عبر البحر الابيض المتوسط، ولكن لاسباب سياسية ودواع اخرى، جرى تعديل نقطة الانطلاق والوصول في مناسبات عدة الا ان دكار شكلت دائما نقطة الختام باستثناء في خمس مرات بما فيها نسخة 2009.