تمخضت قمة الكويت الاقتصادية.. فولدت صندوقا للقروض الصغيرة، ونوايا حسنة للتعاون العربي المشترك، وتبرعات لإعمار غزة، ولكنها مع إيقاف التنفيذ حتى الاتفاق على آلية محددة يضعها مؤتمر الدول المانحة المقرر عقده الشهر المقبل. القمة التي وصفها المراقبون بالناجحة مقارنة بغيرها من عشرات القمم السياسية أثبتت أن الاقتصاد له بريقه ومفعول السحر، وأن لغة الأرقام صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، إلا أن الخلاف السياسي ألقى بغيومه على ختام القمة فلم تخرج بالصورة المثالية وإن كان الجميع قد ارتضى أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان. محاولات كويتية ومساع حثيثة بذلها أميرها لرأب الصدع في الخلاف والانشقاق العربي الذي انفجر بعد العدوان على غزة، سواء بعقد الجلسات المغلقة بين دول الاعتدال والممانعة كما تم تصنيفهم من قبل البعض، أو بالابتسامات والتصريحات الوردية التي أدلى بها القادة العرب بلم الشمل والوحدة العربية، إلا أنه يبقى ما في القلب، في القلب حيث دلت وقائع القمة على أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، والعلاقة بينهما طردية إلى أقصى درجة. إعمار غزة القرارات الصادرة عن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية تضمنت قرارات في غاية الأهمية؛ أبرزها على الإطلاق قرار بشأن إعادة إعمار قطاع غزة وبرنامج إعادة التأهيل والبناء فيها بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث أقرت القمة أن يتم إعادة إعمار غزة وفق الآليات العربية والدولية المعتمدة لدعم الشعب الفلسطيني، والاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة لأهالي قطاع غزة وتقديم الدعم المالي والفني اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات الصحية وتحسين الأوضاع المعيشية لسكان القطاع، كما قررت تكليف مجلس وزراء الصحة العرب بإنشاء المستشفيات الميدانية وتوفير الطواقم الطبية والكوادر الصحية القادرة على توفير الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية. ذلك القرار لم يكن بالصورة الكافية الملائمة والمتوقعة، حيث فضل القادة العرب عدم التوصل إلى آلية محددة إلا بعد معالجة الانفصال والخلاف الفلسطيني، وتحقيق المصالحة الوطنية بين الفصائل، وكذلك الوصول إلى صيغة دولية للإعمار وإشراك المجتمع الدولي فلا يصح أن تقوم إسرائيل بالتدمير ويتحمل العرب وحدهم فاتورة الإعمار.الخطوة الإيجابية التي أفرزها المؤتمر هي التبرع الذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين ويقدر بنحو ألف مليون دولار مساهمة في البرنامج المقترح لإعادة إعمار غزة. صندوق القروض الصغيرة أما أبرز الإيجابيات التي خرجت بها القمة فهي: الإعلان عن إنشاء صندوق للقروض الصغيرة التي تتراوح قيمتها بين 10 إلى 50 ألف دولار، وقد أعلن أمير الكويت إطلاقه برأسمال قدره مليارا دولار تبرعت الكويت ب500 مليون دولار منها، ويستهدف الصندوق دعم الأنشطة الصغيرة لرجال الأعمال الصغار والشركات الصغيرة وحتى ربات البيوت، وسيخضع لإدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وقد لاقى القرار إشادة بالغة من رجال الأعمال والاقتصاديين المشاركين؛ حيث أكد رئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة الشيخ صالح كامل أن الغرفة تقدمت بخطة لكيفية تمويل مشروعات الشباب الصغيرة في الدول العربية، وذلك من خلال الجمعيات التي تحظى بدعمها، موضحًا وجود آلية تمويلية لهذه المشروعات تحت إشراف الغرفة، وقد سبق أن تبنتها منظمة مؤتمر دول العالم الإسلامي، وهي إنشاء اتحاد لأصحاب الأعمال من الشباب الإسلامي الذي ينتسب لعضويته 300 عضو من مختلف دول العالم الإسلامي بهدف إيجاد آليات التمويل المادي للمشروعات مع انتقال الخبرات بين الأجيال.ووصف كامل عمل الشباب العربي حاليا بأنه يشبه العمل في جزر منعزلة؛ فكل مبادرة تصدر عن دولة لا علاقة لها بمبادرة الدول الأخرى؛ لذا كانت مبادرة القمة العربية لتجميع كل هذه المبادرات هي الأنجح والأفضل لإشراك الشباب العربي في صنع القرار الاقتصادي والسياسي. مشوار طويل القمة الاقتصادية كشفت عن أن الوحدة العربية الاقتصادية لا يزال أمامها الكثير والكثير، إلا أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، وإن كانت تعتمد على النوايا فإن الحلم يبقى موجودا ولا يخشى عليه سوى أن تلوثه الخلافات السياسية، فالقمة وضعت خريطة طريق لتحقيق التكامل العربي الاقتصادي باتخاذ قرارات هامة في العديد من المشروعات؛ من بينها الإسراع في الانتهاء من مشروعات الربط الكهربائي، والعمل على استكمال ما تبقى وفقا للأولويات التي يقرها مجلس الوزراء العرب المعنيين بشئون الكهرباء. وفيما يتعلق بمشروع قرار مخطط الربط البري العربي للسكك الحديدية.. فقد تقرر إطلاق المشروع طبقا لوثيقة المخطط التي وافق عليها مجلس وزراء النقل العرب وقيام الدول الأعضاء باتخاذ الخطوات اللازمة لتعديل ومواءمة التشريعات الوطنية والأطر التنظيمية ذات الصلة لوضع مشروعات المخطط موضع التنفيذ دون معوقات، ووضع آلية للتمويل على أسس تجارية. وأقرت القمة أيضا البرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة في الدول العربية، وتنفيذ البرنامج من خلال منظمة العمل العربية وأجهزتها والجهات المعنية في الدول العربية، واعتماد الفترة من 2010 وحتى 2020 عقدا عربيا للتشغيل وخفض البطالة إلى النصف. وحول البرنامج العربي للحد من الفقر في الدول العربية فقد تقرر تنفيذ البرنامج لمدة أربعة أعوام وتمويل مشروعاته ودعوة مؤسسات التمويل العربية إلى المساهمة في تمويله ووضع سياسات اقتصادية واجتماعية تتيح خفض معدلات الفقر إلى النصف في فترة أقصاها عام 2012. أما فيما يتعلق بقرار البرنامج العربي لتنفيذ الأهداف التنموية للألفية فقد تقرر تنفيذها خلال الفترة من 2009 إلى 2015، مع التركيز على الدول العربية الأقل نموا، كما أنه يتوجب على الدول العربية الأقل نموًا تقديم تقرير سنوي إلى الأمانة العامة للجامعة حول ما حققته من تقدم في تنفيذ الأهداف التنموية للألفية، ويتم تحديد المساعدات وفقا لما يتم إحرازه من تقدم. الاتحاد الجمركي العربي وأقرت القمة اتخاذ الخطوات اللازمة لإقامة الاتحاد الجمركي العربي بدءا من عام 2010 على أن يتم الانتهاء من استكمال متطلبات التطبيق الكامل للاتحاد عام 2015 مع اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من قبل الدول المؤهلة تمهيدا للسوق العربية المشتركة، وقد تم تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإنجاز جميع الإجراءات اللازمة لذلك وفق التوقيتات المحددة في برنامج العمل لإقامة الاتحاد. وتضمنت قرارات القمة تكليف حكومات الدول العربية المستفيدة من مكونات البرنامج بمنح مزايا تفضيلية خاصة للاستثمار في المجالات المحددة بالبرنامج والطلب من المؤسسات والصناديق الإنمائية العربية والإقليمية والدولية المساهمة في توفير المتطلبات المالية اللازمة في تنفيذه ودعت القمة القطاع الخاص إلى الاستثمار في تنفيذ برنامج الأمن الغذائي وتكليف المنظمة العربية للتنمية الزراعية بمتابعة التنفيذ بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية. أما فيما يتعلق بالمناهج التعليمية فقد طالب الخبراء بضرورة تحديثها كي تتوافق مخرجات التعليم مع احتياجات السوق العربي، بالإضافة إلى وضع خطة عربية للعلوم والتكنولوجيا التي تتبلور حول الرؤية والأهداف. وقال الخبراء: إن الوطن العربي يتعرض إلى نزيف للعقول وفي تزايد مستمر لضعف الموارد والإمكانات التي تنفق على البحث العلمي. وبعد أن ألقت القمة الاقتصادية كلمتها.. ماذا تحمل الأيام القادمة؟ وهل تنجح أن تتحول القرارات إلى واقع ملموس؟ الخبير الاقتصادي محمد حسين اليوسفي أكد أن قادة الأقطار العربية مطالبون بترجمة تلك القرارات، واتخاذ الإجراءات التي تمكنهم من الاستفادة من الثروات الطبيعية والبشرية التي يتمتع بها العالم العربي، وأن يذللوا بإرادتهم الجماعية الصعوبات التي تحول دون التكامل العربي، فلا يعقل أن تكون التجارة البينية العربية تمثل أقل بكثير من ربع مجموع تجارة الأقطار العربية!!. وأضاف قائلا: "القمة الاقتصادية فتحت أعيننا على الثروات الطبيعية والإمكانيات البشرية التي تحفل بها الأقطار العربية، والتي يجب استغلالها لتصب في صالح رقي الإنسان العربي وتطوير مستوى معيشته، وتوفير حياة لائقة كريمة له".