«احترام ثقافة الآخر والحوار معه لتغيير الصورة المشوهة المنقولة عبر الإعلام الفضائي ووسائط الميديا المتعددة، والتي تنقل لنا الآن ما يطلق عليه (جماليات الحرب)، أو حالات الشد والجذب بين الحضارات المختلفة».. هذا ما ميز بينالي القاهرة الدولي في دورته الحادية عشرة لعام 2008، حيث ركزت كل الأعمال الفنية التي قدمها فنانون من مختلف دول العالم على اكتشاف الآخر واحترامه والتسامح معه، والاعتماد أيضا على ما يسمى تهجين الثقافة في العمل الفني، محاولة لتجسيد تعايش الفنان بين ثقافتين أو أكثر. وكان فاروق حسني وزير الثقافة المصري قد افتتح بينالي القاهرة الدولي الحادي عشر، وذلك يوم السبت الموافق 20- 12- 2008 ويستمر حتى 20 - ؟؟؟-2009، ويعقد بدار الأوبرا المصرية، وقصر الفنون، ومتحف الفن الحديث، وقاعة الهناجر، ومركز الجزيرة للفنون، ويشارك فيه 84 فنانا ممثلين ل44 دولة عربية وأجنبية، وبحضور الفنان الإيطالي العالمي برونو كاروزو (81 عاما) ضيف شرف البينالي هذا العام. يرأس لجنة التحكيم الأمريكي دان كامرون، ويشارك في عضويتها: الأرجنتينية أرما أرستيزابال، والإسباني تشوس مارتينيز، والإيطاليان دانيللو ميستوسي، ومارتينا كوريناتي، والألمانية كارين أدريان فون روك، والعربي الوحيد المصري آدم حنين. وكان محسن شعلان قد قال في تصريحات صحفية «إن أهم ما يميز البينالي هذا العام أنه يعتمد على رؤية شبابية خالصة، حيث تحمل مسئولية هذه الدورة فنانون شباب استطاعوا التعبير عن مجتمعهم بشكل جيد، ومثلوا مصر في كثير من المعارض الدولية، وتأكيدا على قدرة الشباب في إحداث تغيير، وإيمانا بقدراتهم في التحاور مع الغرب بعقول متفتحة، وأيضا فإننا نسعى إلى إيجاد صف ثان يكمل بعدنا؛ ولذلك أعطينا الفرصة للشباب، وبالفعل شهد البينالي تغيرا هذا العام، نأمل أن يلقى قبول الجميع». وأشار إلى «إلغاء دور الدول في اختيار الفنانين المشاركين في البينالي من خلال قيام لجنة خاصة باختيار الأعمال الفنية والفنانين المشاركين في فعاليات الدورة للارتقاء بالمستوى الفني للبينالي، بدلا من الاعتماد على السفارات وعلى الدول نفسها لاختيار الفنانين». وعن فكرة الآخر التي كانت محور البينالي هذا العام يقول الفنان الشباب إيهاب اللبان المنسق العام للبينالي: «في عالمنا الآن لم يعد ينشغل الفنانون كثيرا بإشكالية المحتوى الفكري أو الفلسفي، بل يهتم البعض منهم في المقام الأول بجماليات العمل». ففي عالم يحتفي بالصراعات أكثر من أن يقدم أجواء مناسبة للحوار، لم يكن من المستغرب أن تندلع أحداث الحادي عشر عام 2001، ونتائجها الكارثية، ولهذا فقد أصبح العالم مهموما بإشكاليات أخرى، مثل الخلاف بين الشرق والغرب، والأسباب التي أوجدت تلك الهوة بينهما، وكيفية تقريب الرؤى، عن طريق خلق مساحات من التقارب والفهم المشترك، والآخر في النهاية ليس هو الشخص صاحب الثقافة المختلفة فقط، بل نجد الآخر أحيانا داخلنا. وأضاف: «ضم البينالي هذا العام الكثير من أعمال المالتيميديا والصور وأفلام الديجيتال التي تعبر عن الحروب الدائرة في العراق وفلسطين ولبنان وتصور الصراع في الشرق الأوسط، وأيضا هناك الكثير من الأعمال المستوحاة من الواقع الذي نعيش فيه». وفازت (لارا بلدي) بجائزة النيل الكبرى التي تحمل اسم الملكة الفرعونية «تي» وقدرها 100 ألف جنيه مصري، عن بناية أقيمت في ساحة دار الأوبرا، أطلقت عليها «برج الأمل»، وهي مكونة من طابق واحد، ومبنية بالطوب الأحمر، وتمثل أحد مظاهر الأحياء العشوائية في القاهرة، ولم تكتف بتصميم المبنى، بل حفرت في قوالب الطوب رسوما لبشر وحيوانات. أما جوائز البينالي الثلاث وقيمة كل منها 35 ألف جنيه مصري فذهبت إلى المصري عادل السيوي، والجزائري قادر عطية، واللبناني خالد رمضان الذي قدم تشكيلات متنوعة ومبتكرة استلهمها من الكوفية الفلسطينية، على هيئة مكتب أو كرسي أو قميص أو قبعة أو مفرش أو علم أو حامل للشموع، كما قدم فيلما عن الحروب التي مرت على لبنان من السبعينيات إلى الآن، رابطا أحداث الحرب بقصة حياته من خلال عرض صور شخصية له ولأقاربه ومعاناتهم في هذا الوقت. أما السيوي فوضع صورتين فوتوغرافيتين له الأولى حديثة والثانية وهو صبي قبل خمسين عاما ومن خلالهما ينفذ إلى ذاته القديمة، أو ما أطلق عليه «الآخر الأسطوري» عبر عدة لوحات متفاوتة الحجم يتلمس فيها «الأنا- الآخر» الذي كان عليه، وكيف تركت الأيام بصماتها على ملامحه. وهناك أعمال ملفتة للنظر منها عمل الفنان العراقي (علي عساف)، والذي هو عبارة عن فيلم تسجيلي بعنوان «أنا هي أنا هو»، سجل فيها لحظات سقوط بغداد، وضرب المساجد، والشوارع، وسقوط تمثال الرئيس السابق صدام حسين، ورفع العلم الأمريكي، بالإضافة إلى مشاهد للغارات الأمريكية على مناطق مختلفة في العراق، وينتهي الفيلم بالتعبير عن كل الطوائف الموجودة في العراق في كلمات، فيقسم الشاشة إلى نصفين مكتوب في أحد النصفين مثلا (أنا سني)، والنصف الآخر مكتوب عليه (أنا شيعي)، وبينهما ألسنة النار، معبرا بذلك عن المصير المشترك. وأيضا تميز عمل الفنانة المجرية (أورسوليا باجالا) التي تعيش في الدنمارك، والذي جاء في لوحتين شاركت بهم هذه الدورة معبرا عن مأساة انفجار المفاعل النووي تشرنوبيل، قائلة عنه: «تصورت كم الدمار والخراب الذي تعرضت له شعوب كثيرة من جراء هذا الانفجار وذلك من خلال ألوان الدماء وتناثر أشلاء الأشخاص ورموز أخرى تصور الأمراض التي خلفها هذا الانفجار». أما عن اللوحة الأخرى فمكتوب عليها باللغة العربية «السلام للعالم أجمع»، مفسرة ذلك بقولها: «أنا أردت أن أكتبها بالعربية ليفهم المشاركون من العرب والمصريين أننا -مسلمي أوروبا- ندعمهم، وأيضا ندعم ديننا، ونريد أن نعيش في سلام، وبالتالي رسمت مآذن المساجد وصورا من الريف المصري حتى أكون أقرب من المصريين والعرب». موضحة: «لم أكن مسلمة ولكني أسلمت بعد حادثة نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام في الصحف الدنماركية، وقرأت القرآن ودخلت الإسلام، وقررت أن أتبنى في أعمالي فكرة السلام الذي دعا له الإسلام». وأخيرًا عمل الفنان المصري حنفي محمود، وهو عبارة عن كادرات من فيلم مصري قديم (ابن حميدو)، معللا سبب اختياره لها بأن «هذه الكادرات تحمل الرومانسية التي نفتقدها، ونحتاج إليها، وأيضا الحزن الذي أصبح شيئا أساسيا في حياتنا، بالإضافة إلى أن فيلم ابن حميدو فيلم قديم ومحبوب ومعروف على مستوى كبير، وبالنسبة لي يذكرني بزمن السينما الجميل». صحفية مصرية