قبل ثلاثين عاماً وأنا أدخل تلك المدينة الساحرة "ديزني لاند" في أورلاندو بهرت بتلك الشوارع التي أقيمت على أطرافها تلك – البيوتات – ذات الأبعاد الثلاثة بذلك التراث المعماري الذي حافظت عليه تلك الأيدي الماهرة التي نقلت الى الزائر المشاهد تلك الصور بحرفية متقنة، وكأنك تعيش في تلك المدن الأصلية أو كأن ذهبت الى تلك القرى المكسيكية أو الايطالية، بل حتى الفرنسية لترى تلك القرى أمامك تعيش في شوارعها، وتشم رائحة رطوبتها. إن تلك العمارات بتلك "الشبابيك" المغرقة في فنية "التشكيل" بتلك الخصائص الحضرية التي كانت تمتاز بها تلك المدن تجعلك تلمس بأصابعك كل التفاصيل، وأنا في تلك الحالة الاندهاشية. تذكرت ما جرى في المدينةالمنورة في عام 1395ه عندما شب الحريق الكبير في "سويقة" حيث كانت بداية ذهاب كل المدينة القديمة بأزقتها وأحواشها وشوارعها وما تمتاز به من خصوصية عمرانية متداخلة حيث ألف الناس على ما يسمى "بالسقيفة"، وهي ما يشبه "الجسرِ" بين منزلين التي تكون في وضعيتها سكناً تابعة لأحد المنزلين مع انها في الأصل من مساحة المنزل الآخر الذي تنازل صاحبها لجاره لكي يتوسع "بها" في استغلال لذلك الفضاء العلوي بروح سمحة، وأطلق على الممر من تحتها "بالسقيفة". بهذه الروح التي كانت تمتاز بها تلك النفوس كانت تفتل تلك القناعات كل ذلك مر بذاكرتي وأنا أطوف في جنبات تلك المدينة المذهلة "ديزني لاند" بتلك البراعة في نقل تلك المدن ليعيش الإنسان في تفاصيلها. وأذكر عند عودتي أن كتبت "موضوعاً" بعنوان مدينة بلا ذاكرة عن تلك المشاهدة مطالباً بإعادة بناء تلك المدينة بشوارعها وأحواشها وحاراتها وميادينها وأسواقها، وأن يقوم رجال الأعمال بذلك المشروع على أن تقام فيها كل تفاصيل حياة المدنية القديمة، وأن توضع رسوم لدخولها من قبل الحجاج والزائرين، وأذكر أن الفكرة راقت للصديق رجل الأعمال – الشهم – وهبي سليمان، لكن لم يجد من يساعده على توفير المساحة اللائقة لهذا المشروع من الأرض، ومات المشروع في مهده. ولكن فجأة انبعث ذلك "المشروع" الخيالي من وهدته، لقد بعثه ذلك الشاب الذي يمتلئ طموحاً، ويتدفق نشاطاً ورغبة في تحقيق ما هو أكمل وأجمل لهذه المدينةالمنورة. لقد أعاد إلى أهلنا في المدينة الطيبة الأمل في أن تأخذ مسارها في التقدم والازدهار. إنه ذلك القادم من رحم الفعل الحريص على ايجاد كل ما هو فاعل لتكون هذه المدينة في المكان اللائق لها وبها. إنه فيصل.. دون ألقاب، إنه فيصل الذي يفصل بين الخمول، وبين العمل. إنه فيصل الذي يفصل مباعداً بين الوهم والحقيقة.. الذي يعيد ذاكرة المدينة إليها بعد أن فقدتها طويلاً. إنه فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز اعطاه الله القوة، وحقق له التوفيق في خطواته كلها التي سوف يسجلها تاريخ مدينة المصطفى له بأحرفه الخالدة.. بإذن الله.