رمضان شهر لانتصار الإنسان.. انتصار إرادته على شهوته، وعقله على هواه، على أن أعظم ما يكون انتصار الإنسان حين يفعل الخير، ويعمل الصالحات، أداء للواجب، وابتغاء رضوان الله وحده، فهذه هي ذروة الإخلاص والتجرد، وهي ذروة السمو الإنساني. والصوم الذي يأمر به الإسلام ويثيب عليه، ويفتح لصاحبه أبواب المغفرة والجنة، ليس مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ومباشرة النساء، فمن الناس من يصوم حِمية من مرض، أو سعيا إلى صحة، أو احتجاجا على مظلمة، أو خضوعا لمراسيم، أو اتباعا لعادة، أو نحو ذلك من البواعث والأغراض، ولكن هذا كله لا يقيم له الإسلام وزنًا، والصوم المعتبر في ميزان الإسلام هو الذي يقوم به صاحبه (إيمانًا واحتسابًا)، أي تصديقًا بوعد الله، وطلبًا لما عند الله، وكذلك القيام، ولهذا حرص الرسول –صلى الله عليه وسلم- على ذكر هذه العبادة حين قال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) و (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه). و الصوم عبادة خالصة موجهة إلى الله وحده. وفي هذا جاء الحديث عن الله عز وجل: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به . يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي) (3) . وعلامة الصوم المقبول - الذي هو ثمرة الإيمان والإخلاص لله - أن يكف الصائم لسانه عن الزور واللغو، ويده عن الأذى، وجوارحه كلها عن المعصية، وأن يصوم ظاهره وباطنه عما يسخط الله تعالى، وأن يدفع السيئة بالحسنة وإذا جهل عليه أحد أو سابه أو قاتله قال بلسانه وبقلبه: اللهم إني صائم ! "صفحة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين"